للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأحضروا بين يدي ملك الروم فأمر ترجمانه أن يسألهم عن من هو أكبرهم، فأشاروا إلى ثلاثة منهم، فأمر الملك واحداً من الثلاثة أن يدخل في دينه وأن يعتقد أن المسيح ابن الله، وأن النظر إلى الصليب عبادة، وقال: إن فعلت ذلك أعطيتك كذا وأخلع عليك الخلع، وأجعلك أقرب من في حضرتي، وإن أنت أبيت ولم وتدخل في ديني وإلا ضربت عنقك فقال المسلم: معاذ الله أن أبيع ديني بالدنيا، فأمر بضرب عنقه، فلما ضرب عنقه وطار رأسه في الميدان دار ثلاث مرات وهو يقول: ?يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي? [الفجر: ٢٧ - ٣٠] فغضب الملك الخاسر، وأمر الثاني بمثل ما أمر الأول وقال: أعمل معك كذا وكذا ووعد ومناه، فأبي وقال: معاذ الله أن أبيع ديني بدنياك فأمر بضرب عنق الآخر بحضرته فلما ضرب عنقه وطار رأسه دار في الميدان ثلاثة دورات وهو يقرأ قوله تعالى ?فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ? [الحاقة: ٢١ - ٢٤] فسكن عند الرأس الأول فغضب الملك الكافر غضباً شديداً، وأمر الثالث فأحضر بين يديه فقال له: ما تقول أنت أتدخل في ديني حتى أجعلك أميراً وبين يدي مشيراً وإلا قتلتك كصاحبيك، فقال الثالث: أدخل في دينك، وأبيع ديني بدنياك، وأبلغك في ذلك مناك، وغلبت عليه الشقاوة، وقال الملك لوزيره: اخلع عنه الخلع، وكتب له مثالاً بالحكم والتولية والإمرة فقال الوزير: ليس هذا من العقل أن تبادر بإكرام هذا وتوليته من غير تجربة فقال: الملك جربه، فقال الوزير له: يا هذا لا نأمنك ولا نصدقك حتى تقتل

رجلاً من أصحابك، فقام وأخذ واحداً من المسلمين فقتله لغلبة الشقاوة عليه، فقال الملك: الآن استحق المثال والإماره والخلع فقال الوزير: أيها الملك هذا ليس صواباً إذا كان الرجل فعل مع الذي ولد معه ونشأ معه وتربى معه هكذا وقتله بيده ولم يرع حقه، فكيف يرعانا حقاً، أو كيف يبدي لنا صدقاً والرأي عندي أن تقتله وتلحقه بإخوانه فقال الملك: نعم الوزير أنت ونعم المشير افعل ما بدا لك، فأمر بضرب عنقه وطار رأسه في الميدان ودار ثلاث مرات وهو يقرأ قوله تعالى ?أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ? [الزمر: ١٩] ثم سكن وسط الميدان، ولم يخالط أخويه وصار إلى عذاب الله وغضبه، ونعوذ بالله من مكر الله، ولقد أحسن من قال في المعنى:

وكم من بائع دنيا بدين ... فلم تحصل الدنيا ولم يحصل الدين

ولو حصلت ما فات منها بطائل ... وأصبح مغبوطاً بها وهو مجنون

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>