وآسفا فراق قوم ... هم المصابيح والحصون
والمزن والأمن والتمني ... والخير والعقل والسكون
بعدهم العيش ليس يصفوا ... كيف تغلبيهم المنون
فكل نار لنا قلوب ... وكل ماء لنا عيون
وكان إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله.
وروي أنه قرأ يوماً ?وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ? [يونس: ٦١] فبكى بكاء شديداً حتى بكى معه أهل الدار، فجاءته زوجته فجلست تبكي لبكائه وبكى أهل الدار لبكائهما، فجاء ولده عبد الملك فدخل عليهم وهم يبكون فقال: يا أبت ما يبكيك؟ قال يا بني ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه، والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار.
يا هذا إذا كان عمر بن عبد العزيز يخاف مع عدله وأنت تأمن مع جورك وظلمك.
ورؤي في المنام بعد اثنى عشر سنة فقال: الآن تخلصت من حسابي.
اسمع يا من أمن الأقدار، وليس له عند مولاه اعتذار ولله من قال:
تشاغل بالدنيا أناس فأصبحوا ... عن الباب محجوبين قد منعوا القربا
وأهل التقى لله تسري قلوبهم ... إلى غاية نالوا بها الشرب العذبا
فجاءوا بنور العلم في روضة التقى ... بها نفس الأبرار قد ملئت حبا
هم قطعوا الدنيا بخوف وعبادة ... فذكرهم للموت ورثهم كربا
وعن عطاء رحمه الله قال: كان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقهاء كل ليلة ويتذاكرون الموت والقيامة والآخرة، فلا يزالون يبكون حتى كان بين أيديهم جنازة.
وعن ابن حيان -رحمه الله- قال: صليت الصبح خلف عمر بن العزيز فقرأ ?وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ? [الصافات: ٢٤] فجعل يكررها ولا يستطيع أن يتجاوزها من البكاء.
وعن سفيان قال: كان عمر بن عبد العزيز ساكتاً وأصحابه يتحدثون فقالوا له: مالك لا تتكلم يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت أتفكر في أهل الجنة كيف يتزاورون، وفي أهل النار كيف يطرحون فيها، ثم بكى، وكان إذا بكى فوق غرفة تتحدر دموعه من الميزاب.