للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يبقى عندى أي أحد وكان عنده مسلمة بن عبد الملك، فخرجوا وقعد مسلمة وأخته فاطمة زوجة عمر على باب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان، قال سمعنا صوتا من ناحية الباب يقول: ?تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ? [القصص: ٨٣] ثم دخلوا عليه وقد مات رحمة الله واستقبل القبلة وغمض عينيه وطبق فاه (١) .

قيل: إن بعض الجان بعد موته رثاه فقال:

عنا جزاك مليك الناس صالحة ... في جنة الخلود والفردوس يا عمر

أنت الذي لا نرى عدلاً نسر به ... من بعده ما جرت شمس ولا قمر

ورثاه جرير فقال:

تنعي النعاة أمير المؤمنين لنا ... مفضل حج بيت الله واعتمرا

حملت أمراً عظيماً فاضطلعت به ... وسرت فيهم بحكم الله مؤتمرا

ورثاه الفرزدق بقصيدة طويلة منها:

لو أعظم الموت خلقاً أن يواقعه ... لعدله لم يصبك الموت يا عمر

كم من شريعة حق قد نعت لهم ... كادت تموت وأخرى منك تنتظر

قال الأوزاعي: شهدت جنازة عمر وخرجت إلى مدينة «قنسرين» فمررت على راهب يسير على ثورين أو حمارين فقال: يا هذا ما أحسبك شهدت جنازة هذا الرجل فقلت له: نعم فبكى فقلت وما يبكيك ولست من أهل دينه قال إنما أبكي على نور كان في الأرض فطفيء.


(١) روى ابن المبارك في الزهد خبر موته (ص ٣٠٩، رقم ٨٨٧) عن مغيرة بن حكيم قال: قالت لي فاطمة: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول: اللهم أخف عليهم موتى ولو ساعة من نهار قالت: فقلت له يوماً: يا أمير المؤمنين ألا أخرج عنك عسى أن تغفي شيئاً فإنك لم تنم، قالت: فخرجت عنه إلى بيت غير البيت الذي هو فيه، قالت: فجعلت اسمعه يقول: ?تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ? [القصص: ٨٣] يرددها مراراً ثم اطرق فلبث طويلاً لا أسمع له صوتا فقلت لوصيف له كان يخدمه: ويحك انظر، فلما دخل صاح، قالت: فدخلت عليه فوجدته ميتاً قد أقبل بوجهه على القبلة، ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينه.
ورواه أيضاً: ابن سعد في الطبقات الكبرى (٥/٤٠٦) ، والطبري في التاريخ (٤/٧٢) .
وانظر: سير أعلام النبلاء (٥/١٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>