مسرعات في طيرهن أو مشيهن على رجلهن، ففعل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كما أمره الله تعالى أخذ هذه الطيور الأربعة وذبحها وقطع رؤوسها ووضع الرأس عنده ثم قطع لحمها قطعاً قطعاً، وخلط الجميع وقسمه سبعة أقسام على عدد الجبال، ووضع على كل جبل منها جزءاً كما أمره الله تعالى، ثم قال لهذه الأجزاء تعالين بإذن الله فعاد كل جزء إلى جسده، وأتى كل جسد إلى رأسه الذي معه وقيل: قال: أيتها الطيور المنقطعة والأعضاء المتفرقة عودي كما كنت بإذن الله تعالى، فعادت أجنحة هذا إلى مكانها ورأس هذا إلى بقيته وأعضائه والتأم هذا إلى هذا، وإبراهيم ينظر إليها وأقبلت أربعتها تسعي بإذن الله تعالى فعندها قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير، فقال: له عند ذلك ربه ?أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ? [البقرة: ١٣١] .
وقال بعضهم: لما قال السيد إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قيل: له أنت شاك في قدرتنا حتى تقف في حقيقتنا وتقول: أرني فقال: يا رب أنت أريتني بعين بصيرتي فأرني بعين بصري لأجمع بين النظريين، فأمره الله أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحها ويفرق أجزائها ويجعل على كل جبل منهن جزء وأمره أن يأخذ رؤؤس الأربعة فيجعلها بين أصابعه، ويدعوها ففعل ذلك، فهب بنسيم من جانب القدرة، وجمع تلك الأجزاء المتفرقة وأتوا نحوه واختطف كل منها رأسه من بين أصابعه، وطار حياً بقدرة الله سبحانه وتعالى فعكفوا على رأس إبراهيم، ونادوه بلسان فصيح وقلب جريح: يا إبراهيم أي شيء أردت بنا حتى سفكت دمنا، يا إبراهيم تأدب فربما باسطك ربك بمثل ما باسطته، ففي تلك الليلة رأى إبراهيم ربه في المنام يقول له: اذبح ولدك كأنه يقال له إبراهيم نحن أريناك أحياء الموتى فأرنا أنت إماتة الأحياء.
فائدة: قال ابن العماد في الذريعة لم يتعرض المفسرون لوجه الحكمة في كونها أربعة، وظهر لي والله اعلم أن العناصر لما كانت أربعة ناسب الحصر في الأربعة، ويؤيد ذلك ما قاله أن الله أوحى إليه أن يأخذ بطة خضراء وغراباً أسود وحمامة بيضاء وديكا أحمراً، فإن الأخضر بمثابة الصفراء أو الأسود بمنزلة السود والأبيض كالبلغم والأحمر الدم والله أعلم.
والحكمة في أمره بالأخذ من الطير دون غيره من الحيوانات: أن الطير أقرب إلى الإنسان، وأجمع لخواص الحيوان.
قال بعض العلماء: وإنما أخذ هذه الطيور الأربعة دون غيرها من الطيور لنكتة لطيفة وهي: أن أعداء الآدمي أربعة: الدنيا والهوى والنفس والشيطان كما أشار إليه