عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم عادوا إلى منازلهم، فلما كان العيد قال آزر لإبراهيم: يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج إبراهيم معهم، فلما كان في أثناء الطريق ألقى إبراهيم نفسه إلى الأرض، وقال إني سقيم أي: ضعيف اشتكي برجلي، فتوهموا صدقه وهو صريع على الأرض، فلما مضوا نادى واحداً منهم في آخرهم ?وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ? [الأنبياء: ٥٧] فسمعه ذلك ثم رجع إبراهيم من الطريق إلى بيوت الأصنام والآلهة، فرآهم في مكان عظيم، واختلف في عدد تلك الأصنام فقيل: كانت اثنين أو ثلاثة وسبعين صنماً وقيل: كانت ثلاثمائة وستين صنماً، وكان بعض هذه الأصنام بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من نحاس وبعضها من حديد وبعضها من حجارة، وكان فيهم صنم عظيم من الذهب على رأسه تاج مرصع بالجوهر وعيناه ياقوتتان، والأصنام عن يمينه وشماله نصفان، فأصنام الفضة أقرب إليه من الحديد، والحديد أقرب إليه من الحجارة، وهم قد وضعوا بين يدي الأصنام طعاماً وقالوا إذا رجعنا وقد باركت الآلهة في طعامنا أكلنا، وهذه كانت عادتهم وكانت الشياطين تأكله فيزداد القوم بذلك طغياناً ويقولون: ربنا أكل طعامنا، وقيل: أنفا منا، فلما نظر إبراهيم إليهم وإلي ما بين أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء: ألا تأكلون، فلما لم يجيبوه قال لهم ?مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ? [الصافات: ٩٢، ٩٣] أراد باليمين القسم التي كان أقسم بها في قوله: ?وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم? أي: مال عليهم ضرباً لأجل اليمين التي أقسم بها، وجعل
يكسرهن بفأس في يده حتى لم يبق إلا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه، ثم خرج كما قاله تعالى ?فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ? [الأنبياء: ٥٨] ضمير إليه راجع إلى كبيرهم، إلا الصنم الكبير فإنه تركه لعلهم يرجعون إليه فيظنون أنه فعل ذلك، وقيل: ضمير إليه راجع إلى إبراهيم أي: كسرهم السيد إبراهيم لعلهم يرجعون إليه أي: إلى دينه، فلما جاء القوم من عيدهم جاءوا إلى بيت آلهتهم فرأوها على تلك الحالة قالوا: ?قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ? [الأنبياء: ٥٩، ٦٠] وهو الذي صنع هذا، فبلغ النمروذ ذلك وأشراف قومه ?فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ? [الأنبياء: ٦١] عليه أنه هو فعل ذلك وكرهوا أن يأخذوه بغير ذنبه.
وقيل: معناه لعلهم يشهدون ما صنع به ونعاقبه، فلما أحضروه قالوا: ?قَالُوا أَأَنْتَ