عليهم فقال لهم إبراهيم: ?أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ? [الأنبياء: ٦٦، ٦٧] فلما ألزمهم الحجة وعجزوا عن الجواب قالوا: ?حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ? وسنذكر تحريقه بالنار في الكلام على السواك إن شاء الله تعالى.
فائدة: أفاد ابن الملقن أن إبراهيم كان يتكلم أولاً بلغة السريانية فبلغه يوماً أن النمروذ يريد قتله، فهرب منه فأرسل رسله في طلبه فقالوا: لا نعرفه، فقال: إذا رأيتم فتى يتكلم بالسريانية فردوه، وكان هناك نهر فعبر إبراهيم النهر فأدركه رسل النمروذ، واستنطقوه فحول الله لسانه عبرانياً وهو لا يعرف فكلمهم باللغة العبرانية، وكان ذلك التحويل حين عبر النهر فسميت تلك اللغة بذلك.
فائدة أخرى: إبراهيم -صلوات الله والسلام عليه- من أولي العزم من الرسل الذي أشار الله لهم بقوله العزيز: ?فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ? [الأحقاف: ٣٥] واختلف في عددهم على أقوال أصححها: أنهم خمسة قاله شيخنا الجلال السيوطي في الإتقان: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، وقد نظمتهم في بيت فقلت:
أولي العزم إبراهيم موسى محمد ... وعيسى ونوح ذا الصواب المحمود
وسموا بأولي العزم لثباتهم وصبرهم على الشدائد أكثر من غيرهم.
قال العلماء: أفضل الأنبياء بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد اتفاقهم على أن نبينا أفضل المخلوقات فقيل: آدم، وقيل: نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى.
لكن قال شيخنا العلامة الشيخ جلال الدين السيوطي في شرح نظمه لجمع ألوامع أفضل الخلق بعده - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم الخليل نقل بعضهم الإجماع على ذلك، وبعد الخليل موسى وعيسى ولم أقف على نقل أيهم أفضل، والذي يقدح تفضيل موسى، ثم عيسى ثم نوح وهؤلاء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أولوا العزم المذكورون في سورة الأحقاف أي: أصحاب الجد والاجتهاد ثم بعدهم سائر الرسل فهم أفضل من الأنبياء.
وذكر الشيخ عز الدين ابن جماعة أن ابن عبد السلام في كتابة شجرة المعارف فيما نقله عنه البرهان الفزاري أن المرسلين أفضل من النبيين، ثم الأنبياء فهم أفضل من الملائكة عند الجمهور.
وذهب المعتزلة وبعض أصحابنا كالقاضي والأستاذ أبي إسحاق وأبي عبد الله الحكم والإمام في المعالم وليس المراد فيه من الفائدة إلا معرفة الشيء على ما هو عليه.