وأما زهده وكرمه وكثرة صدقاته فقد شاع ذلك عنه وذاع، فإن الله قد فتح عليه بالمال الكثير.
وروي عن ميمون بن مهران قال: أتت ابن عمر اثنان وعشرين ألف دينار في مجلس، فلم يقيم حتى فرقها، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفاً.
وما مات حتى أعتق ألف إنسان أو يزيدون على ذلك، وكان لا يأكل طعاماً إلا على خوانه.
وكان يحيي الليل ثم يقول: أسحرنا فيقال: لا فيعاود الصلاة ثم يقول: أسحرنا فيقال: نعم فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح.
وكان إذا سبح قال: اللهم اجعلني من أعظم عبادك نصيباً في كل خير تقسمه الغداة، ونور تهدي به، ورحمة تنشرها، ورزق تبسطه، وضر تكشفه، وبلاء ترفعه، وفتنة تصرفها.
وشرب - رضي الله عنه - يوماً ماء مبرداً فبكى فقيل له: ما يبكيك قال: ذكرت آية في كتاب الله وهي ?وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ? [سبأ: ٥٤] فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئاً شهوتهم الماء البارد.
وقال جابر - رضي الله عنه -: ما أدركت أحداً إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا عبد الله بن عمر.
وفضائله في المتابعة للآثار وإعراضه للدنيا ومقاصده واحتياطه في الفتوى وعلمه بالمناسك غزيرة، ومناقبة لا تحصى شهد له الشارع بالصلاح، وعاش بعد ذلك بزيادة على ستين سنة يترقى في الخيرات.
ومن فضائله: ما رواه ابن سبع السبتي في شفاء الصدر عنه - رضي الله عنه -: أنه خرج في بعض أسفاره فبينما هو يسير إذ بقوم وقوف فقال: مال هؤلاء قالوا: أسد على الطريق قد أخافهم فنزل عن دآبته ثم مشى إليه حتى أخذ بإذنه ونحاه عن الطريق حتى جاءت القافلة، وقال: إني استحي من ربي - عز وجل - أن يرى من قلبي أني أخاف غيره قال: ما كذب عليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما سلطت على ابن آدم من مخافته غير الله، ولو أن ابن آدم لم يخف إلا الله لم تسلط عليه ولو أنه لم يرى إلا الله لما وكله إلى غيره نقله الدميري في الأسد.
ووقع له مرة واقعة لطيفة قال نافع: خرجت مع ابن عمر رضي الله عنهما إلى بعض نواحي المدينة المشرفة ومعه أصحابه، فنزلنا بواد فوضعوا سفرة لهم يأكلون