العدو، حتى بلغ البطحاء وهو لا يلتفت إلى الخلف، فاجتمعوا وغسلوا عن وجهه الدم وقالوا: ما شأنك ماذا أصابك قال: ويحكم المغرور من غررتموه، ما رأيت كاليوم دعوني حتى ترجع إليَّ نفسي، فتركوه ساعة ثم قالوا له: ما الذي أصابك قال: إني لما دنوت من محمد فأردت أن أضربه بسيفي فرأيت عند رأسه شجاعين أقرعين ينفخان بالنيران تلمع أبصارهما، قصداني فعدوت منهما، ولست بعد هذا اليوم أعود إلى مقربة محمد بشيء.
فالشجاعان الأقرعان كانا ملكين من الملائكة فكذلك الحية التي سقطت من سطح المسجد وتبعت من سب أبا هريرة لا يبعد أن يكون ملكاً.
وأبو هريرة أول من كني بهذه الكنية واختلفوا فيمن كناه بها فروي عنه - رضي الله عنه - أنه قال: كنت أرعى غنماً وكان لي مهرة صغيرة ألعب بها فكنوني بها، وقيل: كان المكني له بذلك أبوه، وقيل: رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي كمه هرة فقال: يا أبا هريرة، وكان - رضي الله عنه - يحب الهرة ويحملها ويألفها وكان يقول: بعدم جواز بيعها، والصحيح جواز بيعها وحل أكل ثمنها كما ذهب إليه إمامنا الشافعي - رضي الله عنه - وكافة العلماء.
أما ما ورد في صحيح مسلم وغيره بسند صحيح من أن رسول الله - رضي الله عنه - نهى عن أكل الهرة وأكل ثمنها (١) ، فهو محمول على الوحشي الذي لا نفع فيه كذا قاله الشافعي والجمهور.
وهاهنا فوائد ولطائف مناسبة:
الفائدة الأولى: قال العلماء اتخاذ الهرة وتربيتها مستحب قالوا: وإنها تشبه الإنسان في أمور وهي أنها تعطس وتتثاوب وتتمطى، وتتناول الشيء بيدها وتمسح وجهها، وإذا تلطخ شيء من بدنها نظفته.
الثانية: قيل: إنها مخلوقة من عطسة الأسد وسببه أن أهل سفينة نوح تأذوا من الفأر، فمسح نوح - عليه السلام - جبهة الأسد فعطس ورمي الهرة، من ذلك كانت أشبه شيء بالأسد بحيث لو قيل للمصور صور لي هرة فلا تخرج إلا صورة الأسد.
الثالثة: سئل بعض العلماء عن حكمة ستر الهرة إذا هي بالت دون غيرها من
(١) أخرجه أيضاً: أبو داود (٣/٢٧٨، رقم ٣٤٨٠) ، وابن ماجه في سننه (/١٠٨٢، رقم ٣٢٥٠) ، والحاكم في المستدرك (٢/٤٠، رقم ٢٢٤٦) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والدارقطني في سننه (٤/٢٩٠) ، وعبد بن حميد في مسنده (ص ٣١٩، رقم ١٠٤٤) ، والطبراني في مسند الشاميين (٢/١٦، رقم ٨٣٥) من حديث جابر - رضي الله عنه -.