ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة وله نية الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» (١) .
ومعنى «أن تحفظ الرأس وما وعى» حفظه من السمع والبصر واللسان، فلا يستعملها إلا فيما يحل، وقوله:«والبطن وما حوى» يريد لا يجمع فيه إلا الحلال ولا يأكل إلا الطيب، ويحتمل أن يراد بما حوى الفرج والقلب والرجل.
وفي بعض كتب الله المنزلة يقول الله: ما انصفني ابن آدم يدعوني فأستحي أن أرده، ويعصيني ولا يستحي مني.
وفيها أيضاً يقول الله تعالى: عبدي إنك ما استحيت مني أنسيت الناس عيوبك، وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك، ومحوت من أم الكتاب زلاتك، ولم أناقشك يوم الحساب يوم القيامة.
وفيها أيضاً يقول الله تعالى: إن كنتم لا تعلمون أني أنظر إليكم فالخلل في إيمانكم، وإن كنتم تعملون أني أنظر إليكم فلم جعلتموني أهون الناظرين.
وكان الفضيل رحمه الله تعالى يقول: يا مسكين تغلق بابك وترخي سترك وتستحي من الناس ولا تستحي من الملكين الذين معك، ولا تستحي من القرآن الذي في صدرك، ولا تستحي من الجليل سبحانه وتعالى وهو لا يخفي عليه خافية، ولله در القائل في المعنى حيث يقول:
كن حييا إذا خلوت بذنب ... ليس يخفى عن الرقيب الشهيد
أتهاونت بالإله ... وتواريت عن عيون العبيد
يروى أن رجلاً حبشياً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كنت أعمل الفواحش فهل لي من توبة؟ قال:«نعم» ، قال: فهل كان الله يراني؟ قال:«نعم» ، فصاح الحبشي ووقع ميتاً.
(١) أخرجه الترمذي في سننه (٤/٦٣٧، رقم ٢٤٥٨) وقال: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد، وأحمد في مسنده (١/٣٨٧، رقم ٣٦٧١) ، والحاكم في المستدرك (٤/٣٥٩، رقم ٧٩١٥) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأبو يعلى في مسنده (٨/٤٦١، رقم ٥٠٤٧) ، والطبراني في المعجم الكبير (١٠/١٥٢، رقم ١٠٢٩٠) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٧/٣٥٤، رقم ١٠٥٦١) عن عبد الله بن مسعود.