للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يفتح أبواب السماء في ثلثي الليل الباقي، فيبسط يده فيقول: ألا من عبد فيسألني فأعطيه، قال: فما يزال كذلك حتى يطلع الفجر» (١) للعلماء فيه قولان:

أحدهما: إلحاقة بالمتشابه والسكوت عنه وتفويض علمه للعليم الخبير، وهو أسلم.

والثاني: تأويله بما يليق بجنابه الكريم بأن يقال: ليس المراد باليد هنا حقيقتها وهي الجارحة، فإنها في حقه سبحانه وتعالى محال، بل المراد القدرة فإن اليد تستعمل في القدرة مجازاً فإنه يقال: يد السلطان فوق يد الرعية أي: قدرته عالية فوق قدرتهم، ويقال: هذه البلدة في يد الأمير وإن كان مقطوع اليد، بمعنى في قدرته.

فقوله: «والذي نفسي بيده» مؤول بقدرته، وهذا القول أحكم ونزول الآيات الواقعة في كتاب الله بهذا التأويل مثل قوله تعالى ?بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ? [المائدة: ٦٤] ، وقوله: ?يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ? [الفتح: ١٠] .

وقوله: «لا يؤمن أحدكم» محمول على نفي الكلام أي: لا يكمل إيمان أحدكم حتى أكون أجب إليه من والده وولده، فمن لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من والده وولده فهو ناقص الإيمان.

قال الخطابي معناه: لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضائي على هواك وإن كان فيه هلاكك.

وقال ابن بطال (٢) : معنى الحديث: أن من استكمل الإيمان علم أن حق الرسول آكد عليه من حق ولده ووالده والناس أجمعين، لأنه به استنقذنا من النار وهدينا من الضلال.

قال العلماء: هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه - صلى الله عليه وسلم -، فإن المحبة ثلاث أقسام: محبة إجلال وإعظام كمحبة الولد للوالد، ومحبة شفعة ورحمة كمحبة الوالد لولده، ومحبة مشاكله واستحسان كمحبة سائر الناس فجمع أصناف المحبة في محبته.

وليس المراد بمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو حبه اعتقاد وتعظيمه وإجلاله فإنه لا شك في كفر من لم يعتقد ذلك، وتنزيل هذا الحديث على هذا المعنى غير صحيح، لأن اعتقاد الأعظمية ليس بالمحبة ولا الأحبية ولا مستلزماً لها، إذ قد يجد الإنسان من نفسه إعظام


(١) أخرجه أحمد في مسنده (١/٤٤٦، رقم ٤٢٦٨) ، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (٣/٤٤٩، رقم ٧٦٥) عن عبد الله بن مسعود.
(٢) ابن بطال هو: سليمان بن محمد بن بطال البطليوسي، أبو أيوب، فقيه باحث، له أدب وشعر، تعلم بقرطبة، واشتهر بكتابه: المقنع في أصول الاحكام، قالوا فيه: لا يستغني عنه الحكام، وكان من الشعراء أيضاً، كانت وفاته سنة: ٤٠٤هـ‍.

<<  <  ج: ص:  >  >>