النووي: وإنما جعل الله الرعي في الأنبياء تقدمة لهم ليكونوا رعاة الخلق وليكون أممهم رعايا لهم.
وأفاد بعض العلماء: قال بعضهم: إنما رعوا الأغنام لأنهم إذا خالطوا الغنم زاد حلمهم وشفقتهم، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان عند مرضعته رضي الله عنها في السنة الرابعة قال:«يا أماه ما لي لا أرى أخوتي في الحي نهاراً» .
وأراد بهم إخوته من الرضاعة، وإخوته من الرضاعة اسم جماعة وهم: ابن ثويبة، وعمه حمزة وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابن عمه وصاحبه أبو سلمه وأولاد حليمة، وأما سيدنا مدرك الصحابي المدفون بقرب قرية حجيرا من غوطة دمشق فليس بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخوة من الرضاعة ولكن الناس يغلطون في ذلك كثيراً كما نبه عليه بعض العلماء.
فلما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما لي لا أرى أخوتي في الحي نهاراً» قالت له: إنهم يرعون الأغنام فقال: دعيني أخرج معهم فأخذ عصاة ومزودة وخرج معهم لرعي الأغنام، قالت حليمة: وغاب - صلى الله عليه وسلم - يومه ذلك، فأقبل وقت المساء وقد سبقته الأنوار، والأغنام تلوذ به وتقبل أقدامه.
وكان في الغنم شاة رماها أخوه «ضمرة» بحجر فكسر ساقه، فجعلت تلوذ به كالشاكية فقبض يده الكريمة علهيا فكأن الوجع لم يكن.
ثم قالت حليمة لولدها: كيف وجدت أخاك القرشي؟ قال: يا أماه ما مر بحجر ولا مدر ولا شجر ولا سهل ولا جبل ولا وحش ولا طير إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله، وإذا نام في الشمس تأتي غمامة تظله، والوحوش تأتي إليه تقبل أقدامه، وإذا مشي في الرمل فالأثر لا يبين، وإذا مشي في الصخر يكون تحت قدميه كالعجين، وإذا استقينا من بئر فار الماء من أعلاه.
قال: ولقد دخلنا إلى وادي الوحوش فإذا نحن بسبع عظيم قد جمع نفسه ليشب علينا، فلما نظر إلى أخينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خضع له ورمى نفسه على الأرض وتكلم بكلام فصيح، وقال: السلام عليك يا محمد فتقدم إليه محمد وكلمه في أذنه فذهب الأسد يعدو.
وفي رواية: قال ضمرة: إن أسداً عظيماً انحدر عليه فأخذ شاة وصعد بها إلى الجبل فلحق أخي محمد فأخذ الشاة منه ثم فتل أذنه وسار، وإذ الأسد يقبل أقدامه ثم انصرف.