للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحديث الوارد في أبي داود الترمذي وصححه وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مائة مرة: «رب اغفر ليّ، وتب علىّ إنك أنت التواب الرحيم» (١) .

فإنه يقال: التوبة والاستغفار يقتضيان الذنب، وهو في الرتب العليا من العصمة - صلى الله عليه وسلم - وأجابوا عن هذا: بأن توبته واستغفاره - صلى الله عليه وسلم - ليسا عن ذنب وإنما توبته الرجوع إلى مولاه في ستر ما استقصره من الشكر بالنسبة إلى ما ارتقى إليه من المقامات الأكملية، فإنه عليه أفضل الصلاة والسلام كلما بدا له من جلال الله وكبريائه قدراً، كان مرتقياً من كمال إلى أكمل فيستقصر بنظره إليه مما هو فيه من القيام بشكر الله تعالى على تلك الإنعامات العظيمة وطاعته، فيرجع إلى الاعتصام به تعالى ويطلب الستر لما ظهر من قصور الشكر.

وفي الحديث فوائد:

الأولى: أن الأعمال الصالحة ترقي صاحبها إلى المراتب السنية والغرف العلية، فإنها ترفع الدرجات وتمحوا عنه الخطيئات.

الثانية: أن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها كان ذلك ادعى إلى المواظبة عليها، استبقاء للنعمة واستزادة لها بالشكر عليها.

الثالثة: فيه من الفوائد أنه ينبغي للإنسان أن يقف عند ما حد الشارع من عزيمته ورخصته، وأن يأخذ من العمل بالأرفق الموافق للشرع، وهو أولى من أن يأخذ بالأشق المخالف.


(١) أخرجه الترمذي في سننه (٥/٤٩٤، رقم ٣٤٣٤) ، وأبو داود في سننه (٢/٨٥، رقم ١٥١٦) ، والنسائي في السنن الكبرى (٦/١١٩، رقم ١٠٢٩٢) ، وأحمد في المسند (٢/٢١، رقم ٤٧٢٦) ، وابن حبان في صحيحه (٣/٢٠٦، رقم ٩٢٧) ، وعبد بن حميد في مسنده (ص ٢٥١، رقم ٧٨٦) ، والبيهقي في شعب الإيمان (١/٤٣٨، رقم ٦٤١) عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>