للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقت الرجوع عن الزلل، فليس عند الزيادة شيء من النقصان، أبناء ستين كونوا من المنون على حذر، فما أحد قط يعطي من المنون أمان، أبناء سبعين وافى جيش المشيب فما بقى للزرع إلا حصاده وينشر الديوان، يا ابن الثمانين، قل لي في الدهر ماذا تنتظر، قد حان وقت رحيلك، وشالت الركبان، أبناء تسعين فوزوا فقد كتب توقيعكم من ربكم بالإنابة والعفو والغفران، يا ابن المائة إن وقتك ما بقي لك من عمل، إلا التوجه إلى الله في السر والإعلان، قد حان وقت رحيلك، فقم تجهز للسفر، وحصل الزاد وإلا تبقى عليه ندمان.

وقيل: لا يفوت الإنسان عمل اعتاده إلا بذنب.

قال سفيان الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب واحد، قيل: ما هو؟ قال رأيت رجلاً يبكي فقلت هذا مرائي.

وقال أبو يزيد البسطامي (١) : قمت ليلة فتذكرت أهل الغفلة من النائمين، فكوشفت بأن الرحمة تنزل عليهم كالقائمين، فتعجبت من ذلك فهتف بي هاتف يا أبا يزيد هؤلاء ذكروا عذابي فقاموا، وهؤلاء ذكروا رحمتي فناموا.

الفائدة العاشرة: في الحديث دليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاذ رتبة الكمال الإنساني، لأن الكمال الإنساني إما بالعلم، وإما بالعمل، وقد جمع - صلى الله عليه وسلم - الكمالين، وأشار إلى الأول بقوله: «أعلمكم بالله» ، والي الثاني: «أتقاكم» وهو - صلى الله عليه وسلم - أعرف خلق الله بالله، وأتقى خلق.

ومعرفة الله هي: تحقيق العلم، بإثبات الواحدانية (٢) .


(١) أبو يزيد البسطامي هو: طيفور بن عيسى البسطامي، أبو يزيد، ويقال: بايزيد، مولده سنة: ١٨٨هـ‍، زاهد مشهور، له أخبار كثيرة، كان ابن عربي يسميه أبا يزيد الأكبر، نسبته إلى بسطام بلدة بين خراسان والعراق أصله منها، ووفاته فيها سنة: - ٢٦١هـ‍، قال المناوي: وقد أفردت ترجمته بتصانيف حافلة.
(٢) قال ابن حجر في الفتح (١/١٤٩) : قال إمام الحرمين: أجمع العلماء على وجوب معرفة الله تعالى، واختلفوا في أول واجب فقيل: المعرفة، وقيل: النظر.
وقال المقترح: لا اختلاف في أن أول واجب خطاباً ومقصوداً المعرفة، وأول واجب اشتغالاً وأداء القصد إلى النظر.
وفي نقل الإجماع نظر كبير ومنازعة طويلة، حتى نقل جماعة الإجماع في نقيضه، واستدلوا بإطباق أهل العصر الأول على قبول الإسلام ممن دخل فيه من غير تنقيب، والآثار في ذلك كثيرة جداً.
وأجاب الأولون عن ذلك: بأن الكفار كانوا يذبون عن دينهم ويقاتلون عليه، فرجوعهم عنه دليل على ظهور الحق لهم.
ومقتضى هذا: أن المعرفة المذكورة يكتفي فيها بأدنى نظر، بخلاف ما قرروه. ومع ذلك فقول الله تعالى: ?فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا? [الروم: ٣٠] ، وحديث: «كل مولود يولد على الفطرة» ظاهر أن في دفع هذه المسألة من أصلها.
وقد نقل القدوة أبو محمد بن أبي جمرة عن أبي الوليد الباجي عن أبي جعفر السمناني -وهو من كبار الأشاعرة- أنه سمعه يقول: إن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>