أما في حياته فقد تواتر نفعه للناس حيث كان يقضي حوائج المحتاج من الأرامل واليتامى وغيرهم، ويحرس بيوت الناس ليلاً، فقد نقل أنه خرج في ليلة مظلمة فدخل بيتاً ثم خرج منه، ودخل بيتاً آخر وطلحة ينظره، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فرأى عجوزاً عمياء مقعده فقال لها طلحة: ما بال هذا الرجل يأتيك في كل ليلة؟ فقالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، ويأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذي أي: البول والغائط.
وكان - رضي الله عنه - مع هذا الدين الغزير أحياناً يعاتب نفسه ويبكي حتى يبل لحيته، وربما يغشى عليه.
قال أنس - رضي الله عنه - سمعت عمر - رضي الله عنه - وبيني وبينه حائط يقول: والله لتتقين الله يا ابن الخطاب أو ليعذنك.
وكان أحياناً يضرب ظهره بدرته وأخذ يوماً تبنة من الأرض وقال: يا ليتني هذه التبنة، يا ليت أمي لم تلدني ياليتني كنت نسياً منسياً.
وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، جاءه أعرابي له بنات فأنشده
يا عمر الخير رقيت لجنة ... اكسوا بناتي وأمهن
وكن لنا من الزمان جُنة ... أقسم بالله لتفعلنه
فلم يرتج لترققه ولا راعه قسمه عليه بل قال: إن لم أفعل يكون ماذا؟ قال: إذاً يا أبا حفص لأذهبنه، فقال: وإذا ذهبت يكون ماذا؟ فقال: يكون حالي لتسألنه، وموقف المسئول تنتهينه إما لي نار وإما إلى الجنة، فلما ذكر له الجنة والنار والموقف بين يدي الله تعالى بكى حتى اخضلت لحيته بدموعه، وقال: يا غلام أعطه قميصي هذا لذاك اليوم لا لشعره، أما والله لا أملك غيره.
فانظر ما حصل عنده من رقة القلب لم ينعم عليه إلا بما هو من خاصة ماله، ولم يجد غير قميصه، وقد كانت خزائن الأرض مملوءة بين يديه ذهباً، ولم يعطه من بيت مال المسلمين، وإن كان الأعرابي فقيراً مستحقاً، لأنه لما استنزله بشعره ولم يكن العطاء لمصلحة المسلمين فلم يعطه من مالهم.
وأما نفعه للناس بعد موته: فقد أفاد بعض العلماء أنه لما مات - رضي الله عنه - جلس علي بن أبي طالب على قبره يسمع بماذا يجب الملكين، قال: وكان الله أعطى علياً علم البرزخ، فلما دخل الملكان عليه ارتعد منهما ثم أجابهما فقالا: نم يا ابن الخطاب، فقال: كيف أنام وقد أصابني منكم هذه الرعدة وقد صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن أشهد عليكما الله وملائكته أن لا تدخلا على مؤمن ولا على مؤمنة إلا في أحسن صورة ففعلا، فقال له على بن أبي طالب: نم يا ابن الخطاب فجزاك الله عن المسلمين خيراً، لقد نفعت الناس في حياتك وبعد مماتك.
سؤال: فإن قيل: يلزم من الحديث أن يكون سيدنا عمر أفضل من أبي بكر لأن المراد بالأفضل الأكثر ثواباً، فمن كان دينه أكثر كان ثوابه أكثر، مع أن العلماء أجمعوا على