وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت» قال ابن حجر: معناه أمرني الله حيث لا آمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الله، وقياسه في الصحابي إذا قال:«أمرت» فالمعنى: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يحتمل أن يريد أمرني صحابي آخر، لأنهم من حيث أنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر وإذا قاله التابعي احتمل، والحاصل: أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الأمر له هو ذلك الرئيس.
والمراد «بالناس» عبده الأوثان دون أهل الكتاب، لأن أهل الكتاب سقط عنهم القتال بقبول الجزية لقول الله تعالى: ?قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخر وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ? [التوبة: ٢٩] .
والمعنى: أمرني ربي أن أقاتل عبدة الأوثان إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وإنما خص الصلاة والزكاة بالذكر مع أنه يجب قتال من منع واجباً من واجبات الإسلام، لأنهما أصل العبادات البدنية والمالية، فلذلك تسمى الصلاة عماد الدين، والزكاة قنطرة الإسلام.
وقوله:«فإذا فعلوا ذلك» أي: قالوا أشهد أن لا إله إلا الله، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وفي قوله:«فعلوا ذلك» التعبير بالفعل عما بعضه قول إما على سبيل التغليب، وإما على إرادة المعنى الأعم إذا القول فعل ذلك.
ومعنى:«وحسابهم على الله» أي: إنها أدعى على أفعالهم الظاهرة، فلا أدع أحداً أن يترك فرضاً من فرائض الله تعالى، وإن يظلم أحداً فإن ما يخفون في بواطنهم ويسرون في ضمائر من النيات والعقائد فليس له إليه سبيل، فيثيب المخلص ويعاقب المنافق، ويجزي المصر بفسقه أو يعفو عنه، وليس معنى:«على» هنا الوجوب فإن الله لا يحب عليه شيء، بل يكون بمعنى اللام أي: على سبيل التشبيه أي: هو كالواجب