جاز، ولا يجوز أن يباع الولد مع أبيه وتترك الأم لأن الشفقة للأم أشد، فالحكم للأم دون غيرها، فلو تصرف في أحدهما ببيع وهبة وقسمه بأن أعتق الأم دون الولد والولد دون الأم جاز ذلك، لعدم التفرق المزيل للمالك.
قيل: إن يعقوب إنما فرق بينه وبين ولده يوسف مدة لأنه فرق بين جارية وولدها فقد ذكر الثعلبي - رضي الله عنه - أن يعقوب رأى ملك الموت قد زاره فقال له: السلام عليك أيها الكظيم، فاقشعر جسده وارتعدت فرائصه، فرد عليه السلام، ثم قال له: من أنت ومن أدخلك هذا البيت وقد أغلقت على نفسي بابه، كيلا يدخل عليَّ أحد لأشكو بثي وحزني إلى الله، فقال له: يا نبي الله أنا الذي أيتم الأولاد، وأرمل الأزواج، قال: فأنت ملك الموت إذن، قال: نعم، قال له: يا ملك الموت أنشدك الله هل تقبض روح من تأكله السباع؟ قال: نعم، قال: فأخبرني عن الأرواح تقبضها مجموعة أو متفرقة؟ قال: أقبضها متفرقة روحاً روحاً، قال: فهل مر بك روح يوسف في الأرواح؟ قال: لا، قال: فجئتني زائراً أو داعياً؟ قال: يا نبي الله ما جئتك إلا مسلماً والله تعالى لا يميتك حتى يجمع بينك وبين يوسف، ولو كان في الصخرة التي عليها قرار الأرض، وما أذن الله في زياريك إلا لأبشرك وأجيبك عما تسألني، وإن شئت أعلمتك لما ابتليت بفقد ولدك، قال: فأعلمني، قال: يا إسرائيل هل تذكر الجارية الذي اشتريتها عام كذا في شهر كذا وفرقت بينها وبين أبويها؟ قال: نعم يا ملك الموت كان بالأمس، فقال له ملك الموت: فلذلك ابتليت بفقد الولد، وهل تعلم لما ابتليت بذهاب البصر؟ قال: لا، قال: أمرت يوماً بجذعة فذبحتها وشويتها في يوم كذا في شهر كذا، فمر تميم العابد العبد الصالح بك وهو صائم، ما أفطر منذ أسبوع فاشتم قثار الشواء فلم تطعمه، قال: فدعا عند ذلك يعقوب من كان بحضرته من العبيد والإماء فاعتقهم جميعاً، وأمر أن يذبح من أغنامه كل يوم كبشان ويفرق لحمها على الفقراء والمساكين فقبل الله ذلك منه وشكره وآتاه بالفرج (١) .
فائدة أخرى: يجوز التفريق بين البهيمة وولدها إذا استغنى الولد عن لبن الأم، أما إذا لم يستغن فإن فرق بالذبح بأن ذبح الولد وترك الأم جاز، وإن ذبح الأم وترك الولد لا يجوز كما قاله السبكي، وإن فرق ببيع ونحوه فإنه لا يجوز لعدم استغناء الولد عن لبن الأم.
* * *
(١) ذكره الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء المسمى بالعرائس (ص: ٨٠) من قول وهب بن منبه، وأمثال هذه الأخبار فيها من الغرابة ما لا نسلم به فالمقام مقام أنبياء والله أعلم.