وصلى، والمجوسي ينظر ولا يتكلم حفظاً للعهد، فلما فرغ من صلاته التقيا للقتال فلم يقدر أحدهما على الآخر إلى أن جاء وقت غروب الشمس، وعبادة المجوسي هي السجود للشمس وقت طلوعها وغروبها، فقال المجوسي لعبد الله بن المبارك: دخل وقت عبادتنا عاهدني أنت أيضاً كما عاهدتك واصبر على حتى أفرغ من عبادتي ولا تغدر. فعاهده عبد الله بن المبارك على ذلك، فلما سجد للشمس وثب عليه عبد الله بن المبارك بسيفه ليقتله وهو ساجد، فهتف به هاتف: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، فرجع فلما فرغ المجوسي قال له: مالك هممت بي ثم رجعت؟ قال: سمعت هاتفاً يقول كذا، فقال المجوسي: نعم الرب ربك يعاتب وليه لأجل عدوه، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
لطيفة أخرى: عاهد بعض الصالحين ربه - عز وجل - أن لا يستغيث بأحد من الخلق إلا به سبحانه وتعالى، فخرج إلى الحج فمر في طريقه على بئر والنوم في عينيه فسقط فيه، ولم يقدر على الخروج منه، فمر بالبئر رجلان فقال أحدهما للآخر: هذا البئر يضر بالمارين فلا نبرح حتى نطمه من طريق الناس، وهو يسمع ما قالاه من أسفل البئر، فأراد أن يستغيث بهما فذكر العهد فسكت فطماه وذهبا، فأرسل الله سبعاً ففتح البئر وناوله يده فرفعه بها فسمع هاتفاً يقول: من التجأ في مهماته إلينا، ولم يتكل على سوانا، وناجاني في الغيب فنجيناه من التلف.
وأنشد في المعنى:
إذا لم يكن بيني وبينك مرسل ... فريح الصبا مني إليك رسول
لطيفة ثالثة: طلب الحجاج رجلاً ليقتله فقال: أيها الأمير عندي ودائع للناس فأمهلني حتى أردها، فأعرض عنه وقال: لا أطلقك إلا بكفيل، فخرج الرجل يطلب كفيلاً يكفله ومعه جماعة الحجاج، فوجد رجلاً جميل الوجه من أقارب الحجاج فقاله له: ما اسمك؟ فقال: عبد الكريم، فأخبره بقصته مع الحجاج، فقال: أنا أكفلك عنده. وكفله عند الحجاج، فقال له الحجاج: إن لم يأت أقتلك مكانه وإن بيني وبينك قرابة. قال: نعم، فذهب الرجل ورد ودائع الناس فلما أبطأ على الحجاج طلب الكفيل، وأمر بقتله فقال له: دعني أصلي ركعتين ثم أفعل ما أردت، فصلى ركعتين ثم قال: يا رب إن الرجل اطمأن إليَّ لأني عبد الكريم وأنت الكريم. ثم رفع السياف سيفه وأراد ضربه، وإذا بالرجل قد أقبل فقال له السياف: كيف رجعت