قد كنت أرجو فعزني أملي ... عاجلني الموت ما بلغت منى
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من ميت يوضع على سريره إلا تكلم بكلام يسمعه من شاء الله إلا الثقلين الإنس والجن، يقول: يا إخواتاه ويا حملة نعشاه: لا تغرنكم الدنيا كما غرتني ولا يلعبن بكم الزمان كما لعب بي، خلفت ما تركت لورثتي والديان يخاصمني ويحاسبني، وأنتم تشيعوني وتدعوني» أخرجه ابن أبي الدنيا.
وأخرج أحمد في الزهد عن أم الدرداء قالت:«إن الميت إذا وضع على سريره فإنه ينادي يا أهلاه ويا جيراناه ويا حملة سريراه: لا تغرنكم الدنيا كما غرتني ولا تلعبن بكم كما تلاعبت بي، فإن أهلي لم يحملوا عني من وزري شيئاً» .
فائدة أخرى: كما يعرف الميت من يغسله ويحمله ويكفنه يعلم بمن يزور قبره، أو من ولد أو والد أو جار أو صاحب ويسير بذلك.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مصعب بن عمير حين رجع من أحد فوقف عليه وعلى أصحابه فقال:«أشهد أنكم أحياء عند الله، فزوروهم وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحداً إلا ردوا عليه السلام إلى يوم القيامة»
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن محمد بن واسع قال:«بلغني أن الموتى يعلمون زوارهم يوم الجمعة ويوماً قبله ويوماً بعده» .
وأخرج أيضاً عن الضحاك قال:«من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: لمكان يوم الجمعة» .
فائدة: زيارة القبور في حق الرجال، وينبغي لمن عزم عليها أن يتأدب بآدابها ويحضر قلبه في إتيانها، ولا يكون حظه منها الطواف على الأحداث فقط، فإن هذه حالة تشاركه فيها البهيمة ونعوذ بالله من ذلك، بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى، وإصلاح فساد قلبه أو نفع الميت بما يتلو عنده من القرآن، ويجتنب المشي على المقابر والجلوس عليها، ويخلع نعلية إذا دخل المقابر ويخاطبهم خطاب الحاضرين، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، كذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول، وكنى بالدار عن عمارها وسكانها، ولذلك خاطبهم بالكاف والميم، والعرب تعتبر بالمنزل عن أهله.
فإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه يسلم عليه فيقول: السلام عليك وآتاه من قبل وجهه في زيارته كمخاطبة حياً، ولو خاطب حياً لكان الأدب في استقباله بوجهه،