للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنوع الأول من الأرض: ينتفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميت، ينبت الكلأ فينتفع به الناس، والدوآب بالشرب والرعي والزرع وغيرها، ومثل هذا النوع الأول من الناس وهو الذي يبلغه الهدي والعلم، فيحفظ ويحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره، فينتفع وينفع الناس.

والنوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة هي إمساك الماء لغيرها، فينتفع به الناس والدوآب وهي لا تنتفع، ومثل هذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أذهان ثاقبة ولا رسوخ لهم في العلم، يستنبطون به المعاني والأحكام فهم يحفظون حتى يجيء أهل النفع والانتفاع فيأخذه منهم، فهؤلاء نفعوا الناس بعلمهم وما انتفعوا.

النوع الثالث من الأرض: هو السباخ التي لا تنبت، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تمسكه لينتفع به غيرها، ومثل هذا النوع النوع الثالث من الناس وهم الذين ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون ولا يحفظون لينفعوا غيرهم (١) .

فالحاصل: أن النوع الأول للمنتفع النافع، والنوع الثاني للنافع غير المنتفع، والثالث لغير النافع والمنتفع، وأعلى هذه الأنواع النوع الأول وهو المنتفع النافع.

قال الله تعالى ?وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً? [فصلت: ٣٣] .

وقال: ?ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ? [النحل: ١٢٥] .

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الناس المؤمن العالم الذي إذا احتيج إليه نفع، وإن استغني عنه أغنى نفسه» (٢) .

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذ إلى اليمن: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا ومن فيها» (٣) .

وقال: «من تعلم باباً من العلم ليعلم الناس أُعطي ثواب ستين صديقاً» (٤) .


(١) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/٤٧، ٤٨) .
(٢) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٤٥/٣٠٣) بنحوه عن علي.
(٣) أخرجه بنحوه أحمد في مسنده (٥/٢٣٨، رقم ٢٢١٢٧) .
قال الهيثمي (٥/٣٣٤) : رجاله ثقات إلا أن ذويد بن نافع لم يدرك معاذا.
(٤) أورده المنذري في الترغيب والترهيب (١/٥٤) وعزاه للديلمي في مسند الفردوس عن عبد الله بن مسعود، ثم قال: وفيه نكارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>