للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال حجة الإسلام الغزالي (١) : وقال معاذ بن جبل ورأيته أيضاً مرفوعاً: «تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة، والأنس في الوحشة، وهو الأنس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والوزير عند الأخلاء، والقريب عند الغرباء، ومنار سبيل الجنة، يرفع الله تعالى به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة، وهداة يقتدى بهم، وأدلة في الخيرات تقتفى آثارهم، وترفق أفعالهم، ترغب الملائكة خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، ويستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، التفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، وهو إمام، والعمل تابعه يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء» (٢) .

والنوع الثاني: وهو الذي ينفع الناس ولا ينتفع، نوع كالأرض التي تمسك الماء فقط للناس، ينتفعوا به وهي لا تنتفع نفسها، فلا تنبت الكلأ، مذموم قبيح، فإنه يقبح بالعالم أن ينفع الناس بعلمه فيعملوا به وهو لا ينتفع به ولا يعمل به، بل ينبغي أن يكون فعله موافقاً لقوله، فإذا مر بشيء عمل به، وإذا نهى عن شيء انتهى عنه قبل غيره.

وقد دلت الأخبار من الكتاب والسنة على ذم من علم الناس ولم يعمل بعلمه.

قال الله تعالى: ?أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ? [البقرة: ٤٤] .

وقال تعالى: ?كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ? [الصف: ٣] .

وقال تعالى في قصة شعيب: ?وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ? [هود: ٨٨] .

وقال تعالى لعيسي بن مريم عليه الصلاة والسلام: «يا ابن مريم عظ نفسك، فإن


(١) انظر: إحياء علوم الدين (١/١١) .
(٢) أخرجه الديلمي في الفردوس (٢/٤١، رقم ٢٢٣٧) عن معاذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>