(٢) حديث إنما الأعمال صدر البخاري به كتابه، وأدخله في نفس الوقت في كتاب بدء الوحي وهو ما اعترض به البعض البعض على البخاري. يقول ابن حجر: وقد اعترض على المصنف في إدخاله حديث الأعمال هذا في ترجمة بدء الوحي، وأنه لا تعلق له به أصلاً، بحيث أن الخطابي في شرحه، والإسماعيلي في مستخرجه، أخرجاه قبل الترجمة، لاعتقادهما أنه: إنما أورده للتبرك به فقط، واستصوب أبو القاسم بن منده صنيع الإسماعيلي في ذلك. وقال ابن رشيد: لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته فيه في هذا التأليف، وقد تكلفت مناسبته للترجمة، فقال: كل بحسب ما ظهر له. (انتهى) وقد قيل: إنه أراد أن يقيمه مقام الخطبة للكتاب، لأن في سياقه أن عمر قاله على المنبر بمحضر الصحابة، فإذا صلح أن يكون في خطبة المنبر، صلح أن يكون في خطبة الكتب. وحكى المهلب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب به حين قدم المدينة مهاجراً، فناسب إيراده في بدء الوحي، لأن الأحوال التي كانت قبل الهجرة كانت كالمقدمة لها، لأن بالهجرة افتتح الإذن في قتال المشركين، ويعقبه النصر والظفر والفتح. (انتهى) وهذا وجه حسن، إلا أنني لم أر ما ذكره -من كونه - صلى الله عليه وسلم - خطب به أول ما هاجر- منقولا. وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية ... الحديث» ، ففي هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة، أما كونه كان في ابتداء قدومه إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه، ولعل قائله استند إلى ما روي في قصة مهاجر أم قيس. قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوي به، وهذا لو صح لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية. انظر: فتح الباري (١/٤٨) .