للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد دل هذا على وحدها عبادة مستقلة، وقد أنشد الشيخ الفاضل شهاب الدين ابن حجر العسقلاني لنفسه:

إنما الأعمال بالنيات في ... كل أمر أمكنت فرصته

فانو خيراً وافعل الخير فإن ... لم تطفه أجزأت نيته

قال الدارقطني: أصول أحاديث الإسلام أربعة: حديث «إنما الأعمال بالنيات» ، وحديث «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ، وحديث «الحلال بين والحرام بين» وحديث «ازهد في الدنيا يحبك الله» ، وقد نظم العلامة أبو الحسن الأشبيلي (١) هذه الأربعة فقال:

عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع قالهن خير البرية

اتق الشبهات وأزهد ودع ما

... ليس يعنيك وأعملن بنية

قال البرماوي: إنما صدر البخاري كتابة بحديث «إنما الأعمال» لأمور:

أحدها: أنه مناسب للآية المذكورة في الترجمة لأنه أوحي لكل الأنبياء الأمر بالنية قال تعالى ? وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ? [البينة: ٥] والإخلاص: النية.

ثانيهما: أن أول واجبات المكلف القصد إلى النظر الموصل إلى معرفة الله، فالقصد سابق دائماً.

ثالثهما: بيان أن كل أمر ينبغي أن يكون بإخلاص ونية، حتى يكون مقبولاً منتفعاً به، فلذلك لما أخلص البخاري النية، وصفى الطوية، نفع الله بكتابه البرية.

رابعها: أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدنية خطب بهذا الحديث، لأن مبدأ لكمال ظهوره ونصره، فناسب الابتداء بذكره في ابتداء الوحي إليه، وافتتاح إخلاص العمل لله تعالى، المستحق الجامع للمحامد (٢) .


(١) هو: سلام به عبد الله بن سلام، أبو الحسن الأشبيلي الباهلي: أديب أندلسي الأصل، من إشبيلية، صنف: الذخائر والأعلاق في أدب النفوس ومكارم الأخلاق، كانت وفاته بعد سنة: ٨٣٩هـ‍.
(٢) حديث إنما الأعمال صدر البخاري به كتابه، وأدخله في نفس الوقت في كتاب بدء الوحي وهو ما اعترض به البعض البعض على البخاري.
يقول ابن حجر: وقد اعترض على المصنف في إدخاله حديث الأعمال هذا في ترجمة بدء الوحي، وأنه لا تعلق له به أصلاً، بحيث أن الخطابي في شرحه، والإسماعيلي في مستخرجه، أخرجاه قبل الترجمة، لاعتقادهما أنه: إنما أورده للتبرك به فقط، واستصوب أبو القاسم بن منده صنيع الإسماعيلي في ذلك.
وقال ابن رشيد: لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته فيه في هذا التأليف، وقد تكلفت مناسبته للترجمة، فقال: كل بحسب ما ظهر له. (انتهى)
وقد قيل: إنه أراد أن يقيمه مقام الخطبة للكتاب، لأن في سياقه أن عمر قاله على المنبر بمحضر الصحابة، فإذا صلح أن يكون في خطبة المنبر، صلح أن يكون في خطبة الكتب.
وحكى المهلب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب به حين قدم المدينة مهاجراً، فناسب إيراده في بدء الوحي، لأن الأحوال التي كانت قبل الهجرة كانت كالمقدمة لها، لأن بالهجرة افتتح الإذن في قتال المشركين، ويعقبه النصر والظفر والفتح. (انتهى)
وهذا وجه حسن، إلا أنني لم أر ما ذكره -من كونه - صلى الله عليه وسلم - خطب به أول ما هاجر- منقولا.
وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية ... الحديث» ، ففي هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة، أما كونه كان في ابتداء قدومه إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه، ولعل قائله استند إلى ما روي في قصة مهاجر أم قيس.
قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوي به، وهذا لو صح لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية. انظر: فتح الباري (١/٤٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>