للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأم قيس التي هاجر الرجل لأجلها قالوا: يحتمل أن تكون أخت عكاشة، فإنها أسلمت بمكة، وهاجرت إلى المدينة، واسمها: آمنة، وقيل: جذامة، وكنيتها: أم قيس، وقيل: الذي هاجر الرجل لها كان اسمها: قيلة، وهي غير أخت عكاشة، وكانت تكنى أيضا: أم قيس.

وأما الرجل المهاجر فقال ابن حجر وغيره (١) : لم نقف على اسمه بل كان يسمى مهاجر أم قيس لعله للتستر عليه لم يعينوه.

فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وصل إلى المدينة، وجلس على المنبر فقال مخاطباً بالخطاب العام، فإنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا يواجه أحداً بما يكره: «يا أيها الناس إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» .

واستشكل العلماء كون النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب على المنبر أول قدومه بأن المنبر إنما اتخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة في سنة سبع، وقيل: ثمان، وأجيب: بأن الاستشكال بأن المراد بالمنبر ما كان يخطب عليه إذ ذاك، وهو غير المعروف الذي اتخذه آخراً.

والكلام في هذا المجلس على شطر الحديث وهو: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» والكلام على شطره الثاني يأتي في المجلس الآتي.

فقوله «إنما الأعمال بالنيات (٢)

، وإنما لكل امرئ ما نوى» جملتان أفادت الجملة


(١) أوضح ابن حجر في الفتح (١/٤٨) رواة قصة مهاجر أم قيس فقال: وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد من منصور قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: من هاجر يبتغي شيئاً فإنما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس فكان يقال له: مهاجر أم قيس. ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها، فكنا نسميه مهاجر أم قيس. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك.
وأيضا فلو أراد البخاري إقامته مقام الخطبة فقط إذ الابتداء به تيمناً وترغيباً في الإخلاص، لكان سياقه قبل الترجمة كما قال الإسماعيلي وغيره.
(٢) بين ابن حجر في الفتح (١/٥١) الاختلاف الواقع في هذه الجملة فقال: قوله: «إنما الأعمال بالنيات» كذا أورد هنا، وهو من مقابلة الجمع بالجمع، أي: كل عمل بنيته.
وقال الخوبي: كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال، كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو الاتقاء لوعيده. ووقع في معظم الروايات بإفراد النية، ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها، بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر، وهي متعددة فناسب جمعها، ولأن النية ترجع إلى الإخلاص، وهو واحد للواحد الذي لا شريك له، ووقعت في صحيح ابن حبان بلفظ: «الأعمال بالنيات» بحذف «إنما» وجمع الأعمال والنيات، وهي ما وقع في كتاب الشهاب للقضاعي، ووصله في مسنده كذلك، وأنكره أبو موسى المديني، كما نقله النووي وأقره، وهو متعقب برواية ابن حبان، بل وقع في رواية مالك عن يحيى عند البخاري في كتاب الإيمان بلفظ: «الأعمال بالنية» ، وكذا في العتق من رواية الثوري، وفي الهجرة من رواية حماد بن زيد، ووقع عنده في النكاح بلفظ: «العمل بالنية» بإفراد كل منهما.
كما أوضح ابن حجر معنى الباء في قوله: «بالنيات» فقال: قوله: «بالنيات» الباء للمصاحبة، ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى: أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في إيجاده، وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله، قال النووي: النية: القصد، وهي: عزيمة القلب. وتعقبه الكرماني: بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد.
وأوضح أيضاً معني الألف واللام في نفس الكلمة فقال: الظاهر أن الألف واللام في النيات معاقبة للضمير، والتقدير الأعمال بنياتها، وعلى هذا فيدل على اعتبار نية العمل من كونه مثلاً صلاة أو غيرها، ومن كونها فرضاً أو نفلاً، ظهراً مثلاً أو عصراً، مقصورة أو غير مقصورة. وهل يحتاج في مثل هذا إلى تعيين العدد؟ فيه بحث. والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لا تنفك عن العدد المعين، كالمسافر مثلاً ليس له أن يقصر إلا بنية القصر، لكن لا يحتاج إلى نية ركعتين لأن ذلك هو مقتضى القصر والله أعلم. انظر فتح الباري (١/٥٣، ٥٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>