فإن قيل: إن ظاهر الحديث يقتضي أن ذات العمل تنتفي عند انتفاء النية، وقد يوجد العمل ولا نية، إذ قد يفعل الإنسان العبادة بلا نية؟
فالجواب: أن ظاهر الحديث متروك، لأن الذوات غير منتفية، بل المراد أحكامها كالصحة، فلابد من تقدير مضاف.
واختلف العلماء في تقديره فالذين اشترطوا النية مطلقاً كالإمام الشافعي وكثير من العلماء قدروا لفظ صحته فقالوا: إنما صحة الأعمال بالنيات ليفيد أن الأعمال لا تصح عند انتفاء النية، ورجح هذا التقدير على غيره من المفردات، لأن الأقرب لنفي حقيقة الشيء نفي صحته، وإن كان الكل مجازاً، والذين لم يشترطوا النية في الوسائل كأبي حنيفة قدروا لفظ «كمال» فقالوا: إنما كمال الأعمال بالنيات، قالوا: نفي الصحة يستدعي نفي الكمال وغيره فيكثر المجاز، بخلاف تقدير كمال فإنه تقليل المجاز، قال البرماوي: وضعف بأن نفي الكمال إنما هو بعد وجود الصحة، فليس في تقدير نفي الصحة إلا مجاز واحد.
فإن قيل: إن قوله «إنما الأعمال بالنيات» يقتضي أن كل عمل يحتاج إلى نيات لا يكفيه نية واحدة، وليس كذلك.
فالجواب: أن هذا من قبل مقابلة الجمع بالجمع، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد أي: إنما كل عمل بنية، وهي قاعدة مفردة في كتب الأصول، يتخرج عليها كثير من المسائل.