للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه ربط عفريتاً على سارية من سواري المسجد (١) .

وفي الحديث دليل على مراقبته - صلى الله عليه وسلم - لربه ومحافظته على ضبط أوقاته وحالاته، واستعاذاته عندما ينبغي أن يستعاذ منه، ونطقه عندما ينبغي أن ينطق به، وسكوته عندما ينبغي أن يسكت عنده.

وفيه دليل على استحباب الدعاء المذكور لكل متخل سواء تخلى في البنيان أم في الصحراء، لأن مكان قضاء الحاجة في الصحراء يصير مأوى لهم.

وقد ذكر علماؤنا أنه يستحب أن يقول قبله: «بسم الله» ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

سؤال: فإن قيل: لأي شيء قدمت التسمية هنا على التعوذ، وفي قراءة القرآن يستحب تقديم التعوذ على التسمية؟

جوابه: أن التعوذ عند قراءة القرآن لأجل القراءة، والبسملة من القرآن، فقدم التعوذ عليها، بخلافة هنا فقدمت البسملة عليه.

فإن دخل قبل أن يتعوذ ناسياً، تعوذ بقلبه كما يحمد العاطس، ويستحب عقب الخروج أن يقول: غفرانك الحمد لله الذي أذهب عنى الأذى وعافاني، وأن يكرر غفرانك ثلاث مرات، وهو منصوب بفعل مقدر تقديره: أسالك غفرانك.

سؤال: فإن قيل: أي ذنب وقع من داخل الخلاء حال قضاء الحاجة حتى يطلب من ربه غفرانه عند خروجه منه؟

وجوابه من وجوه:

الأول: لم يقع منه ذنب، ولكن لما ترك ذكر الله تعالى فسأل الله تعالى أن يسامحه عليه (٢) .

الثاني: إنما دخل الغفران لأنه لما رأى نعم الله تعالى عليه التي أنعمها عليه حيث أطعمه ثم هضمه ثم يسهل خروجه، رأى شكره قاصراً عن بلوغ حقه هذه النعم عد ذلك ذنباً فتداركه بالاستغفار.

الثالث: ليس طلب المغفرة لذنب وقع في حال قضاء الحاجة، بل طلبها لذنوبه الصادرة منه قبل ذلك، فكأنه لما تخلص مما يثقل البدن، سأل التخلص مما يثقل القلب وهو الذنب لتكمل الراحة.


(١) أخرجه البخاري (١/١٧٦ رقم ٤٤٩) ، ومسلم (١/٣٨٤ رقم ٥٤١) عن أبي هريرة.
(٢) فإن الإنسان عندما يدخل الخلاء كما سبق الإشارة إليه يهجر ذكر الله فهو يطلب المغفرة لذلك وهذا هو مراد المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>