وروي أيضاً أن أبا هريرة أنه قال: إني لمحصور في الدار مع عثمان قال: فرمى رجل منا أي: قتل، قلت: يا أمير المؤمنين الآن طاب الضراب، قتلوا منا رجلاً، قال: عزمت عليك يا أبا هريرة ألا رميت بسيفك فرميت بسيفي لا أدري أين هو حتى الساعة.
وقد أفاد المحب الطبري أن عثمان - رضي الله عنه - رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليلة التي قتل في يومها، وأنه سقاه الماء وأنه خيره في الانتصار عليهم وفي الفطر عنده فاختار الفطر عنده.
ونقب في ذلك أخبار منها: عن عبد الله بن سلام أنه قال: «أتيت عثمان وهو محصور أسلم عليه فقال: مرحباً بأخي مرحباً يا أخي، أفلا أحدثك ما رأيت الليلة في المنام؟ فقلت: بلى، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الخوخة فإذا خوخة في البيت، فقال: حصروك؟ فقلت: نعم، فقال: عطشوك؟ فقلت: نعم، فأدلى دلوا من ماء فشربت حتى رويت، وإني لأجد برداً بين كتفي وبين ثدي، قال: إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا، قال: فاخترت أن أفطر عنده»(١) خرجه القروينى.
وأعتق صبيحة تلك الليلة عشرين مملوكاً وصار يحدث الناس برؤيته - صلى الله عليه وسلم - ويقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - البارحة وأبا بكر وعمر، فقالوا: اصبر فإنك تفطر عندنا، فقتل ذلك اليوم.
واختلفت الروايات هل دخلوا عليه من الباب أم لا؟
فقيل: دخلوا عليه من دار رجل من الأنصار، وكان معه في الدار ستمائة رجل وكلهم كانوا فوق البيت، ولم يكن عنده في البيت إلا امرأته، فدخلوا عليه فقتلوه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، ولم يعلم بذلك أحد ممن معه في الدار لاشتغالهم بالحصار، حتى صرخت امرأته وصعدت إلى الناس، وأعلمتهم بأنه قتل، فدخل عليه الحسن والحسين ومن كانوا معهما فوجدوه مذبوحاً، فانكبوا عليه يبكون، وأنشد أبو القاسم بن أمية بن أبي الصلت فأحسن:
لعمرى لبئس الذبح ضحيتم به ... وخنتم رسول الله في قتل صاحبه
فبلغ علياً قتله ومن كان في المدينة فخرجوا، وقد ذهبت عقولهم حتى دخلوا على عثمان، فوجدوه مقتولاً فاسترجعوا.
وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتم على الباب، ورفع يده فلطم
(١) أخرجه أيضاً سعيد بن منصور في كتاب السنن (٢/٣٨٩، رقم ٢٩٤٦) .