للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويسمى القسم الأول: رياء الشرك لأنه للخلق وللحق، والثاني: رياء الإخلاص لأنه لا شريك فيه بل هو خالص للخلق، ومقصود المرائي يعمله ثلاثة أشياء: تعظيم الخلق له، وجلب المنافع الدنيوية له، ودفع المضار الدنيوية عنه.

وإنما كان حراماً لأنه شرك وتشريك مع الله في طاعته، وقد صح في صحيح مسلم وغيره: «إن الله تعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته له، أو تركته لشريكي» (١)

فهذا الحديث ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى.

وقد نقل أنه يقال يوم القيامة للمرائي بعمله: خذ ثواب عملك ممن كنت تعمل لأجلهم وهو حديث رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يقال لمن أشرك في عمله: خذ أجرك ممن عملت له» (٢) .

وحمل حجة الإسلام الغزالي هذه الأخبار ونحوها على من يرد بعمله إلا الدنيا وهو القسم الثاني من الرياء، أما الأول فله فيه تفصيل حيث قال: والذي ينقدح لنا فيه -والعلم عند الله- أن ننظر إلى قدر قوة الباعث، فإن كان الباعث الديني مساوياً للباعث النفسي تقاوما وتساقطا، فصار العمل لا له ولا عليه، وإن كان الباعث للرياء أغلب وأقوى فهو ليس بنافع بل هو مضر ومقتض للعقاب، نعم العقاب الذي فيه أخف من عقاب العمل الذي تجرد للرياء، ولم يمتزج به شائبة التقرب، وإن كان قصد التقرب أغلب بالإضافة إلى الباعث الآخر فله ثواب بقدر ما فضل من قوة الباعث الديني، وهذا كقوله تعالى ?فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ? [الزلزلة: ٨] ، وكقوله ?إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ? [النساء: ٤٠] فلا ينبغي أن يضيع قصد الخير بل إن كان غالباً على قصد الرياء


(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٤/٢٢٨٩، رقم ٢٩٨٥) عن أبي هريرة.
وأخرجه أيضاً: ابن ماجه في سننه (٢/١٤٠٥، رقم ٤٢٠٢) ، وابن خزيمة في صحيحه (٢/٦٧، رقم ٩٣٨) ، وأبو يعلى في مسنده (١١/٤٣٠، رقم ٦٥٥٢) ، والطبراني في المعجم الأوسط (٦/٣٢٤، رقم ٦٥٢٩) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٥/٣٢٩، رقم ٦٨١٥) ، والأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان (٤/٢٧٥) .
(٢) لم نقف عليه من رواية أبي هريرة وإنما وجدناه من رواية أنس بن مالك مرفوعاً عند هناد في الزهد (٢/٤٣٥، رقم ٨٥٤) بلفظ: «يؤتى بابن آدم يوم القيامة إلى الميزان، فيقول الله: يا ابن آدم أنا خير شريك ما عملت لي فأنا أجزيك به، وما عملت لغيري فاطلب ثوابه ممن عملت له» .

<<  <  ج: ص:  >  >>