الله، ويعين على عبادته، فإنه محمود بكل لسان، محبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يسب، بل يراعى فيه ويحب، كما أشار إلى ذلك في الحديث بقوله:«فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر» .
وأما المباح لعنة الله من الدنيا فهو ما كان مبعداً عن الله، وشاغلاً عنه كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله من مال ولد فهو شؤم عليك، وهو الذي نبه الله سبحانه عليه بقوله ?اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ? [الحديد: ٢٠] .
وفي فتاوى ابن عبد السلام الموصلية: أن الدنيا التي لعنت: هي الحرمة التي أخذت بغير حقها أو صرفت لغير مستحقها، فلا يلهينك يا هذا عن اكتساب دار القرار، والاغترار بشيء من زخرف هذه الدار، فوالله ما هي بدار مقام، بل دار إن أضحكت اليوم أبكت، وإن سرت أعقب سرورها ردى، وإن أخصبت أجدبت، وإن جمعت فرقت، وإن ضمت شتت، وإن غمرت دمرت، وإن وهبت سلبت، وإن ولت عزلت، وإن وصلت قطعت، دار الهموم والأحزان، والغموم والأشجان، والبين والفراق، والشقاء والشقاق، والرحلة والانتقال والزوال، قليلة الصفاء، وبيلة الجفاء، عديمة الوفاء، لا ثقة لعهدها، ولا وفاء لوعدها، ولا وصل لبعدها، محبها ثعبان، وعاشقها سكران، قد سترت معائبها، وكتمت مصائبها، وأخفت نوائبها، وخدعت بباطلها، وغيرت ببراطيلها، ونصبت شباكها، ووضعت إشراكها، وأبدت ملامح، وسترت قبائح الفعال، ونادت: الوصال أيها الرجال، فمن رام وصالها وقع في حبالها، وبدله سوء حالها، وشدة وبالها، فعض يديه ندماً، وبكى بعد الدموع دماً، وأسلمه ما طلب إلى سوء المنقلب، وجهد في الفرار فما أمكنه الهرب، فتيقظ لنفسك يا هذا قبل الهلاك، وأطلق نفسك من أسرها قبل ن يعسر الفكاك، وأقبل على ما فيه عظيم نجاحك، وما هو في الدارين سبب صلاحك، من عبادة الله، ومداومة ذكره، وملازمة حمده على ذلك وشكره، وافعل الخير ما وجدت سبيلاً، فقد انتظر المقام المهول، ولقد أحسن من يقول:
سألت عن الدنيا الدنيئة قيل له ... هي الدار فيها الدائرات تدور
فإن أضحكت أبكت وإن أحسنت أساءت ... وإن عدلت يوماً ما فسوف تجور