الله أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لآمن عليك، فمشى - صلى الله عليه وسلم - على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه، فلما رأى أبو بكر أنها حفيت حمله على كاهله وجعل يسير به سيراً شديداً حتى وصل جبل ثور، وهو جبل بأسفل مكة فصعد عليه حتى أتى به الغار فأنزله عند بابه ثم قال: والذي بعثك بالحق نبيناً لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك، فدخل فلم ير شيئاً فكنسه، فوجد فيه ثقوباً فيها حيات وأفاعي فشق إزاره وسد تلك الثقوب خوفاً أن يخرج منها شيء يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقي ثقب كبير فسده أبو بكر بقدمه، وفي رواية فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضع رأسه في حجر أبي بكر ونام فجعلت الحيات والأفاعي تلسع رجل أبي بكر - رضي الله عنه - وهو لا يتحرك مخافة أن يتنبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلت دموعه تتساقط على وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتبه وقال:«مالك يا أبا بكر؟» فقال: لذغت فداك أبي وأمي، فتفل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب ما يجده من الألم، وقال: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكنيته أي: طمأنينته على أبي بكر.
وقيل: إنه لما صعد الجبل لم ير فيه مكاناً يختفون فيه قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فانفتح في الجبل غار بقدرة الله فدخل ذلك الغار، ثم أمر الله العنكبوت فنسج على بابه في الحال، وأمر حمامتين وحيتين فعششتا على بابه.
قال السهيلي: وحمام الحرم من نسلهما، وأنبت الله في الحال على باب الغار شجرة يقال لها «الرآءة» مثل قامة الإنسان ولها زهر أبيض فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت، قالوا: لو دخل لم يبق نسج العنكبوت على بابه، وبيض الحمام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع ما قالوا، فعلم أن الله - عز وجل - صدهم عن نبيه.
وجاء في الحديث: إن الكفار لما وقفوا على باب الغار، وقال أبو بكر يا رسول الله لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالهما.
قال الطبري: في هذا دليل على أن باب الغار كان من أعلى، وإلى ذلك أشار صاحب البرده بقوله:
وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكل طرف من الكفار عنه عمي
فالصدق في الغار والصديق لم يريا ... وهم يقولون ما بالغار من آدم