للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ جَواز إمَامة (١) المتنفّل بالمفترض

عن جَابِر ِبن عَبْدِ الله رَضي الله عَنْهُمَا: أنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَل كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم الْعشَاءَ الآَخِرَةَ. ثم يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فيُصلي بهم تِلْكَ الصلاةَ.

المعنى الإجمالي:

كانت منازل بني سلمة، جماعة معاذ بن جبل الأنصاري خارج المدينة.

وكان معاذ رضي الله عنه شديد الرغبة في الخير، فكان يحرص على شهود الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن يؤدي الفريضة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، يَخرج إلى قومه فيصلي- بهم تلك الصلاة، فتكون نافلة بحقه، فريضة بحق قومه، وكان ذلك بعلم النبي صلى الله عليه وسلم، فيقره عليه.

اختلاف العلماء:

اختلف في صحة إمامة المتنفل بالمفترض.

فذهب الزهري، ومالك، والحنفية، إلى عدم صحة ذلك، وهو المشهور عن الإمام أحمد، واختاره أكثر أصحابه، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: " إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيؤتمّ بِهِ فَلا تَختلِفُوا عَلَيهِ" متفق عليه، واختلاف نية المأموم عنه، اختلاف عليه.

وذهب عطاء، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وهو رواية قوية عن الإمام أحمد: أنها تصح، واختارها شيخ الإسلام " ابن تيمية "، مستدلين بحديث معاذ الذي معنا، فإنه كان يصلى الفريضة خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، ثم يخرج إلى قومه فيصلى بهم.

ومن المعلوم أن إحدى صلاتيه نفل، فلا بد أن تكون الأخيرة لوجوه كثيرة.

منها أن الأولى التي برئت بها الذمة، هي صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم

ومنها: أنه ما كان ليجعل صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وفي مسجده هي النافلة، وصلاته مع قومه في مسجدهم هي الفريضة.

وقد أطال " ابن حزم " في نصر هذا القول، ودحض حجج أصحاب الرأي الأول بما ليس عليه من مزيد.


(١) هذه الترجمة من وضعي: شارح.

<<  <   >  >>