للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ القِصَاص

قال (ابن فارس) : (القاف والصاد، أصل صحيح، يدل على تَتَبعِ الشيء ومن ذلك قوله اقتصصت الأثر إذا تتبعته، ومن ذلك اشتقاق القصاص في الجراح وذلك أنه يفعل به، مثل فعله بالأول) . فهو شرعا: تتبع الدم بالقَوَدِ.

والأصل في القصاص، الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.

فأما الكتاب فلقوله تعالى: {النَّفس بِالنَّفْس} الآية، و {كُتِبَ عليكم القِصَاصُ في القتلى} .

وأما السنة، فكثير. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث- إلى قوله: - والنفس بالنفس".

وأجمع العلماء عليه في الجملة.

وهو مقتضى القياس، فهو المساواة بين الجاني والمجني عليه.

حكمته التشريعية:

حكمته متجلية في هذه الآية الكريمة البليغة {ولكم في القِصَاص حَيَاة} قال الشوكاني: (أي لكم في هذا الحكم الذي شرعه الله لكم حياة) .

وذلك لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصاً إذا قتل آخر، كَفَّ عن القتل وانزجر عن التسرع إليه، والوقوع فيه، فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الإنسانية.

وهذا نوع من البلاغة بليغ، وجنس من الفصاحة رفيع، فإنَّه جعل القصاص الذي هو موت حياةً باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضاً، إبقاء على أنفسهم، واستدامة لحياتهم.

ولهذا نجد كثرة القتل: الجرائم عند الأمم التي زعمت المدنية، فحكمت بالقوانين الوضعية، فلم تجاز الجاني بما يستحق، بل حكمت بالسجن تَمَدُّناً ورحمة.

ولم ترحم المقتول الذي فقده أهله، وبنوه. ولم ترحم الإنسانية، التي أصبحت غير آمنة على دمائها بيد هؤلاء السفهاء، والذين لا تلذ لهم الحياة إلا في غياهب السجون.

فهؤلاء الذين عدلوا عن القوانين السماوية إلى القوانين الأرضية، لم يفكروا في عواقب الأمور، لأنهم ليسوا من "أولى الألباب" الذين يتدبرون فيعقلون.

<<  <   >  >>