للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتابُ الحُدُود

الحدود: جمع (حَد) وأصل الحد، المنع، وهو ما يحجز بين شيئين، فمنع اختلاطهما، ومنه أخذ معنى هذا.

وأما الحدود -اصطلاحا- فهي عقوبات مقدرة شرعاً لتمنع من الوقوع، في مثل ما ارتكب من المعاصي.

والحدود ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع العلماء في الجملة، ويقتضيها القياس الصحيح، فهي جزاء لما انتهكه العاصي من محارم الله تعالى.

حكمتها التشريعية:

لها حكم جليلة، ومعان سامية، وأهداف كريمة.

ولذا ينبغي إقامتها، لداعي التأديب والتطهير والمعالجة، لا لغرض التشفي والانتقام، لتحصل البركة والمصلحة، فهي نعمة من الله تعالى كبيرة على خلقه.

فهي للمحدود طهرة عن إثم المعصية، وكفارة عن عقابها الأخروي.

وهي له ولغيره رادعة وزاجرة عن الوقوع في المعاصي.

وهي مانعة وحاجزة من انتشار الشرور والفساد في الأرض.

فهي أمان وضمان للجمهور على دمائهم، وأعراضهم، وأموالهم.

وبإقامتها يصلح الكون، وتعمر الأرض، ويسود الهدوء والسكون، وتتم النعمة بانقماع أهل الشر والفساد.

وبتركها -والعياذ بالله- ينتشر الشر ويكثر الفساد، فيحصل من الفضائح والقبائح، ما معه يكون بطن الأرض خيرا من ظهرها.

ولا شك أنها من حكمة الله تعالى ورحمته. والله عزيز حكيم.

على أن الشارع الرحيم حين شرع الحدود، سبقت رحمته فيها عقابه.

فعفا عن الصغار، وذاهبي العقول. والذين فعلوا لجهل بحقيقتها.

وصعب أيضا ثبوتها، فاشترط في الزنا أربعة رجال عدول، يشهدون بصريح وقوع الفاحشة، أو اعترافاً من الزاني بلا إكراه وبقاء منه على اعترافه حتى يقام عليه الحد.

وفي السرقة لا قطع إلا بالثبوت التام، وانتفاء للشبهة، وتمام لشروط القطع. إلى غير ذلك مما هو مذكور في بابه.

وأمر بدرء الحدود بالشبهات، كل هذا لتكون توبة العبد بينه وبين نفسه. والله غفور رحيم.

<<  <   >  >>