خالصا لوجه الله تعالى، فالعمل مقبول. وإن كانت غير ذلك، فالعمل مردود، فإن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك. ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاَ يوضح هذه القاعدة الجليلة بالهجرة. فمن هاجر من بلاد الشرك، ابتغاء ثواب الله، وطلباً للقرب من النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلم الشريعة، فهجرته في سبيل الله، والله يثيبه عليها. ومن كانت هجرته لغرض من أغراض الدنيا، فليس له عليها ثواب. وإن كانت إلى معصية، فعليه العقاب.
والنية تمييز العبادة عن العادة، فالغسل - مثلا - يقصد عن الجنابة، فيكون عبادة، ويراد للنظافة أو التبرد، فيكون عادة.
وللنية في الشرع حالتان:
أحدها: الإخلاص في العمل لله وحده، هو المعنى الأسمى، وهذا يتحدث عنه علماء التوحيد، والسير، والسلوك.
الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض، وهذا يتحدث عنه الفقهاء.
وهذا من الأحاديث الجوامع التي يجب الاعتناء بها وتفهمها، فالكتابة القليلة لا تؤتيه حقه. وقد افتتح به الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- صحيحه لدخوله في كل مسألة من مسائل العلم وكل باب من أبوابه.
ما يؤخذ من الحديث:
١- إن مدار الأعمال على النيات، صحة، وفَساداً، وكمالا، ونقصا، وطاعة ومعصية فمن قصد بعمله الرياء أثم، ومن قصد بالجهاد مثلا إعلاء كلمة الله فقط كمل ثوابه. ومن قصد ذلك والغنيمة معه نقص من ثوابه. ومن قصد الغنيمة وحدها لم يأثم ولكنه لا يعطى أجر المجاهد. فالحديث مسوق لبيان أن كل عمل، طاعة كان في الصورة أو معصية يختلف باختلاف النيات.
٢- أن النية شرط أساسي في العمل، ولكن بلا غُلُوّ في استحضارها يفسد على المتعبد عبادته. فإن مجرد قصد العمل يكون نِيًة له بدون تكلف استحضارها وتحقيقها.
٣- أن النية مَحلُّها القلب، واللفظ بها بدعة.
٤- وجوب الحذر من الرياء والسمعة والعمل لأجل الدنيا، مادام أن شيئاً من ذلك يفسد العبادة.