للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيهلك هذا، ويسلم ذاك، أو بالعكس.

فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المعاملة، لما فيها من الغرر والجهالة والمخاطرة، فإنها باب من أبواب الميسر، وهو محرم لا يجوز، فلابد من العلم بالعوض، كما لابد من التساوي في المغنم والمغرم.

فإن كانت جزء منها، فهي شركة مبناها العدل والتساوي في غنْمِهَا وغُرْمِهَا.

وإن كانت بعوض، فهي إجارة لابد فيها من العلم بالعوض.

وهى جائزة سواء أكانت بالذهب والفضة، أم بالطعام مما يخرج من الأرض (١) أو من جنسه أو من جنس آخر، لأنها إيجار للأرض ولعموم الحديث [فأما شيء معلوم مضمون، فلا بأس به] .

ما يستفاد من الحديث:

١- جواز إجارة الأرض للزراعة، وقد أجمع عليه العلماء في الجملة.

٢- أنه لابد أن تكون الأجرة معلومة، فلا تصح بالمجهول.

٣- عموم الحديث يفيد أنه لا بأس أن تكون الأجرة ذهباً أو فضة أو غيرهما، حتى ولو كان من جنس ما أخرجته الأرض، أو مما أخرجته بعينه.

٤- النهى عن إدخال شروط فاسدة فيها: "ذلك كاشتراط جانب معين من الزرع وتخصيص ما على الأنهار ونحوها لصاحب الأرض أو الزرع، فهي

مزارعة أو إجارة فاسدة، لما فيها من الغرر والجهالة والظلم لأحد الجانبين، يجب أنْ تكون مبنية على العدالة والمواساة.

فإما أن تكون بأجر معلوم للأرض، وإما أن تكون مزارعة يتساويان فيها مغنما ومغرماً.

٥- بهذا يعلم أن جميع أنواعَ الغرر والجهالات والمغالبات، كلها محرمة باطلة، فهي من القمار والميسر، وفيهما ظلم أحد الطرفين.

والشرع إنما جاء بالعدل والقسط والمساواة بين الناس، لإبعاد العداوة والبغضاء، وجلب المحبة والمودة.

اختلاف العلماء:

ذهب عامة العلماء إلى جواز الإجارة بالذهب والفضة والعروض غير الطعوم.

واختلفوا في جوازها في الطعام.

فإن كان معلوماً غير خارج منها، فذهب إلى جوازها أكثر أهل العلم، ومنهم الشافعية، والحنفية، والحنابلة. سواء أكان الطعام من جنس الخارج منها، أم من غير جنسه، للحديث العام، ولأنه ليس فيه ذريعة إلى الربا، فجاز، كالنقود.

ومنعه الإمام مالك، محتجاً بحديث [فلا يكريها بطعام] .

وإن كان بجزء مما يخرج منها، فلا يجوز عند الأئمة الثلاثة.

وما نقل عن الإمام أحمد في جوازها، فمحمول على إرادته للمزارعة، بلفظ الإجارة.


(١) بشرط أن لا يكون بجزء منها، فلا تصح إجارة، وإنما تصح مزارعة إذا كان الجزء معلوما كما تقدم.

<<  <   >  >>