للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهو- في ظنهم- غير محتاج إلى الاجتهاد في العبادة.

فعول بعضهم على ترك النساء، ليفرغ للعبادة.

وعول بعضهم على ترك أكل اللحم، زهادةً في ملاذ الحياة

وصمم بعضهم على أنه سيقوم الليل كله، تَهَجُّدا أو عبادة.

فبلغت مقالتهم من هو أعظمهم تقوى، وأشدهم خشية، وأعرف منهم بالأحوال والشرائع.

فخطب الناس، وحمد الله، وجعل الوعظ والإرشاد عاما، جريا على عادته الكريمة.

فأخبرهم أنه يعطى كل ذي حق حقه، فيعبد الله تعالى، ويتناول ملاذ الحياة المباحة، فهو ينام ويصلى، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، فمن رغب عن سنته السامية، فليس من أتباعه، وإنما سلك سبيل المبتدعين.

ما يؤخذ من الحديث:

١- حب الصحابة رضي الله عنهم للخير، ورغبتهم فيه وفى الإقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم.

٢- سماح هذه الشريعة ويسرها، أخذاً من عمل نبيها صلى الله عليه وسلم وهديه.

٣- أن الخير والبركة فى الإقتداء به، وإتباع أحواله الشريفة.

٤- أن أخذ النفس بالعنت والمشقة والحرمان، ليس من الدين في شيء، بل هو من سنن المبتدعين المتنطعين، المخالفين لسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

٥- أن ترك ملاذ الحياة المباحة، زهادة وعبادةً، خروج عن السنة المطهرة واتباع لغير سبيل المؤمنين.

٦- في مثل هذا الحديث الشريف بيان أن الإسلام ليس رهبانية وحرمانا، وإنما هو الدين الذي جاء لإصلاح الدين والدنيا، وأنه أعطى كل ذي حق حقه.

فلله تبارك وتعالى حق العبادة والطاعة بلا غُلُو ولا تنطع.

وللبدن حقه من ملاذ الحياة والراحة.

بهذا تعلم أن الدين أنزل من لدن حكيم عليم، أحاط بكل شيء علما.

علم أن للإنسان ميولا، وفيه غرائز ظامئة، فلم يحرمه من الطيبات، وعلم طاقته في العبادة، فلم يكلفه شططاً وعسرا.

٧- السنة هنا تعنى الطريقة، ولا يلزم من الرغبة عن السنة- بهذا المعنى- الخروج من الملة لمن كانت رغبته عنها لضرب من التأويل يعذر فيه صاحبه.

٨- الرغبة عن الشيء تعني الإعراض عنه. والممنوع أن يترك ذلك تنطعا ورهبانية، فهذا مخالف للشرع. وإذا كان تركه من باب التورع لقيام شبهة فى حله، ونحو ذلك من المقاصد المحمودة لم يكن ممنوعا.

<<  <   >  >>