للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فحز بها يده: بالحاء المهملة، وبعدها زاي مشددة: أي قطعها.

فما رقأ الدم: بفتح الراء والقاف مهموز: أي ما انقطع دمه حتى مات.

المعنى الإجمالي:

روى العالم الصالح الزاهد العابد، الحسن البصري عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: أنه حدث في مسجد الكوفة بهذا الحديث الذي معنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن رجل كان فيمن قبلنا من الأمم الماضية فيه جرح جزع منه، فأيس من رحمة الله تعالى وشفائه، ولم يصبر على ألمه رجاء ثوابه، لضعف داعي الإيمان واليقين في قلبه، فأخذ سكينا فقطع بها يده، فأصابه نزيف في دمه، فلم يرقأ وينقطع حتى مات.

قال الله تعالى ما معناه: هذا عبدي استبطأ رحمتي وشفائي، ولم يكن له جَلدّ على بلاءي، فعجل إلى نفسه بجنايته عليها، وظن أنه قصر أجله بقتله نفسه، لذا فقد حرمت عليه الجنة، ومن حرم الجنة، فالنار مثواه.

فكان هذا الهارب من وجع الجرح إلى عذاب النار، كالمستجير من الرمضاء بالنار. فنعوذ بالله تعالى من سوء الخاتمة.

ما يستفاد من الحديث:

١- فيه تحريم قتل النفس بغير حق، وحرمتها، وعظم شأنها، وخطرها. وأنه أمر كبير، قال ابن دقيق العيد: الحديث أصل كبير في تعظيم قتل النفس سواء كانت نفس الإنسان أو غيره.

٢- وجوب الصبر عند المصائب عما يسخط الله تعالى من قول، كالنياحة. أو فعل، كاللطْمِ والشق. وأعظم منه، قتل النفس.

٣- أن الأحسن للمبتلي أن يقول -إذا كان لا بد من القول-: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي".

٤- قوله: "عبدي بادرني بنفسه" ليس فيه منافاة لقضاء الله وقدره السابق. فالله مقدر الأشياء قبل وجودها. وأطلقت عليه المبادرة بوجود صورتها.

والذي قتل نفسه منُتهٍ أجله الذي كتب له بهذا السبب الذي فعله.

ولكنه استبطأ شفاء الله ورحمته، وقنط من روحه ورحمته، وهذا ذنب عظيم قدر عليه أن يكون قتل نفسه بيده عقابا له على فساد نيته، التي نوى بها تعجيل أجله قبل انتهائه.

والله سبحانه وتعالى لم يظلمه، فقد أعطاه الإرادة والقدرة على الفعل والترك، ولكنه تبع هواه فقتل نفسه.

<<  <   >  >>