للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: بلى يا رسول الله. فابتدأ بأعظم الذنوب وأشدها خطرا، وهو الشرك بمن أسبغ عليك أنواع النعَم ودفع عنك أصناف النقَم.

فهل جزاؤه أن يشرك معه في عبادته غيره؟ فمن أشرك فجزاؤه الخلود في النار وبئس القرار.

ثم يُثَنَّى بحق أعظم الناس عليك مِنَةً. وأكبرهم حقاً، وهما الوالدان اللذان جعلهما الله السبب في وجودك في هذه الحياة، وأولياك من البر والعطف واللطف في ضعفك وصغرك، مالا تقدر على مكافأته.

فمن أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب، جحد حقهما، وتناسى فضلهما، ومقابلة هذا الإحسان الكبير بالعقوق والكفران.

يحدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بهذه المواعظ وهو متكئ.

فلما أراد أن يحذرهم من شهادة الزور، اهتم وتحفز، فاعتدل في جلسته لعظم الأمر وجلل الخطب فقال: "ألا وقول الزور، وشهادة، الزور".

فما زال يكررها ويحذر منها حتى اشتد به الأمر وتمنى الصحابة أن يسكت، لما حصل عنده من التأثر والتحمس عند ذكرها، لما في هذه الشهادة [الآثمة] من الأضرار الكثيرة والمفاسد الكبيرة، من تضليل الحكام عن صواب الحكم، ومن قطع حق المحق، ومن إدخال الظلم على المبطل، ومن الكذب عند القضاة وفي مقام الحكم، إلى غير ذلك من المفاسد التي يطول عدها، ولا يمكن حصرها. نسأل الله العافية منها.

ما يستفاد من الحديث:

١- تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر، ويدل له أيضاً قوله تعالى: {إن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنْهُ نُكَفِّر عَنْكُم سيِّئاتكم} .

٢- اختلف العلماء في تمييز الكبيرة من الصغيرة.

وأحسن ما حدت به الكبيرة ما قاله شيخ الإسلام (ابن تيميه) : (إنها مافية حَد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو ختم بلعنة، أو غضب، أو نفي إيمان، أو دخول جنة) فهو الكبيرة.

٣- أن أعظم الذنوب الشرك بالله، لأنه جعله صدر الكبائر وقد قال تعالى {إن الله لا يَغْفِرُ أن يشرَكَ به وَيَغْفِرُ مَادونَ ذلِكَ لِمَنْ يشَاء} وهل هنا أشد من جحد نعم الرب تبارك وتعالى، بصرف شيء من عبادته إلى غيره؟!

٤- عظم حقوق الوالدين، إذ قرن حقهما بحق الله تعالى.

وقد ذكر الله تعالى حقهما مع حقه في كثير من مواضع القرآن الكريم {أن اشكر لي وَلِوَاِلدَيْكَ} {وَقَضَى ربكَ أن لا تَعْبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} إلى غير ذلك من الآيات.

<<  <   >  >>