للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مضايق الحروب، حتى تخرج في ذلك تخرجاً أهله في التقدم على الجيش الذي فتح قرطبة، وكان مشهوراً بحسن الرأي والكيد، وقد قدمنا كيفية فتحه قرطبة وأسره ملكها الذي لم يؤسر من ملوك الأندلس غيره، لأن منهم من عقد على نفسه أماناً، ومنهم من فر إلى جليقية.

وذكر الحجاري أنه لما حصل بيده ملك قرطبة وحريمه رأى فيهن جارية كأنها بينهن بدر بين نجوم، وهي تكثر التعرض له بجمالها، فوكل بها من عرض عليها العذاب إن لم تقر بما عزمت عليه في شأن مغيث، وأنه قد فطن من كثرة تعرضها له بحسنها لما أضمرته من المكر في شأنه، فأقرت أنها أكثرت التعرض لتقع بقلبه، إذ حسنها فتان، وقد أعدت له خرقةً مسمومةً لتمسح بها ذكره عند وقاعها، فحمد الله تعالى على ما ألهمه إليه من مكرها، وقال: لو كانت نفس هذه الجارية في صدر أبيها ما أخذت قرطبة من ليلة.

وذكر أن سليمان بن عبد الملك لما أصغى إلى طارق في شأن سيده موسى بن نصير فعذبه واستصفى أمواله أراد أن يصرف سلطان الأندلس إلى طارق، وكان مغيث قد تغير عليه، فاستشار سليمان مغيثاً في تولية طارق، وقال له: كيف أمره بالأندلس فقال: لو أمر أهلها بالصلاة إلى أي قبلة شاءها لتبعوه ولم يروا أنهم كفروا، فعملت هذه المكيدة في نفس سليمان، وبدا له في ولايته، فلقيه بعد ذلك طارق، فقال له: ليتك وصفت أهل الأندلس بعصياني، ولم تضمر في الطاعة ما أضمرت، فقال مغيث: ليتك تركت لي العلج فتركت لك الأندلس، وكان طارق قد أراد أن يأخذ منه ملك قرطبة الذي حصل في يده، فلم يمكنه منه، فأغرى به سيده موسى بن نصير، وقال له: يرجع إلى دمشق وفي يده عظيم من عظماء الأندلس، وليس في أيدينا مثله، فأي فضل يكون لنا عليه فطلبه منه، فامتنع من تسليمه، قال ابن حيان: فهجم موسى على العلج وانتزعه من مغيث، فقيل له: إن سرت به معك حياً ادعاه مغيث والعلج لا ينكر، ولكن اضرب عنقه، ففعل، فاضطغنها عليه مغيث، وبالغ

<<  <  ج: ص:  >  >>