للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابن حيان أنه في أيامه قام بجليقية علجٌ خبيثٌ يدعى بلاي (١) ، فعاب على العلوج طول الفرار، وأذكى قرائحهم حتى سما بهم إلى طلب الثار، ودافع عن أرضه، ومن وقته أخذ نصارى الأندلس في مدافعة المسلمين عما بقي بأيديهم من أرضهم والحماية عن حريمهم، وقد كانوا لا يطمعون في ذلك، وقيل: إنه لم يبق بأرض جليقية قرية فما فوقها لم تفتح إلا الصخرة التي لاذ بها هذا العلج ومات أصحابه جوعاً إلى أن بقي في مقدار ثلاثين رجلاً ونحو عشر نسوة، وما لهم عيش إلا من عسل النحل في جباح (٢) معهم في خروق الصخرة، وما زالوا

ممتنعين بوعرها إلى أن أعيا المسلمين أمرهم، واحتقروهم، وقالوا: ثلاثون علجاً ما عسى أن يجيء منهم فبلغ أمرهم بعد ذلك في القوة والكثرة والاستيلاء ما لا خفاء به.

وملك بعده أذفونش جد عظماء الملوك المشهورين بهذه السمة.

قال ابن سعيد: فآل احتقار تلك الصخرة ومن احتوت عليه إلى أن ملك عقب من كان فيها المدن العظيمة، حتى إن حضرة قرطبة في يدهم الآن، جبرها الله تعالى، وهي كانت سرير السلطنة لعنبسة.

قال ابن حيان والحجاري: إنه لما استشهد عنبسة قدم أهل الأندلس عليهم عذرة (٣) بن عبد الله الفهري، ولم يعده ابن بشكوال في سلاطين الأندلس، بل قال: ثم تتابعت ولاة الأندلس مرسلين من قبل صاحب إفريقية: أولهم يحيى بن سلمة، وذكر الحجاري أن عذرة كان من صلحائهم وفرسانهم، وصار لعقبه نباهة،


(١) سيعود المقري إلى ذكر " بلاي " في أول الباب الثامن من القسم الأول؛ وانظر كذلك أخبار مجموعة: ٦١ وابن عذاري ٢: ٢٩؛ وقد أسهب الدكتور مؤنس (فجر الأندلس ٣١٣ - ٣٤٣) في توضيح أمر بلاي هذا (Pelayo وباللاتينية: Pelagius) بدراسة الروايات العربية والإسبانية.
(٢) كذلك وردت هذه اللفظة في أخبار مجموعة: ٢٨ والمقصود بها " الخلايا "؛ انظر ملحق المعاجم لدوزي: " جبح ".
(٣) ق ودوزي: عزرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>