للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلينا. فقال الصميل: الرأي ما أشرت به عليك، وليس غيره، وسوف تتبين غلطك فيما تنكبه، ومضوا إلى قرطبة.

وسار عبد الرحمن الداخل إلى إشبيلية، وتلقاه رئيس عربها أبو الصباح ابن يحيى اليحصبي، واجتمع الرأي على أن يقصدوا به دار الإمارة قرطبة، فلما نزلوا بطشانة (١) قالوا: كيف نسير بأمير لا لواء له ولا علم نهتدي إليه فجاؤوا بقناة وعمامة ليعقدوها عليه، فكرهوا أن يميلوا القناة لتعقد تطيراً فأقاموها بين زيتونتين متجاورتين، فصعد رجل فرع إحداهما فعقد اللواء والقناة قائمة، كما سيأتي، وحكي أن فرقداً العالم صاحب الحدثان مر بذلك الموضع، فنظر إلى الزيتونتين، فقال: سيعقد بين هاتين الزيتونتين لواء لأمير لا يثور عليه لواء إلا كسره، فكان ذلك اللواء يسعد به هو وولده من بعده، ولما أقبل إلى قرطبة خرج له يوسف، وكانت المجاعة توالت قبل ذلك ست سنين فأورثت أهل الأندلس ضعفاً، ولم يكن عيش عامة الناس بالعسكر ماعدا أهل الطاقة مذ خرجوا من إشبيلية إلا الفول الأخضر الذي يجدونه في طريقهم، وكان الزمان زمان ربيع، فسمي ذلك العام عام الخلف، وكان نهر قرطبة حائلاً، فسار يوسف من قرطبة وأقبل ابن معاوية على بئر إشبيلية والنهر بينهما، فلما رأى يوسف تصميم عبد الرحمن إلى قرطبة رجع مع النهر محاذياً له، فتسايرا والنهر حاجز بينهما، إلى أن حل يوسف بصحراء المصارة غربي قرطبة، وعبد الرحمن في مقابلته، وتراسلا في الصلح، وقد أمر يوسف بذبح الجزر، وتقدم بعمل الأطعمة، وابن معاوية آخذ في خلاف ذلك قد أعد للحرب عدتها، واستكمل أهبتها، وسهر الليل كله على نظام أمره، كما سنذكره، ثم انهزم أهل قرطبة، وظفر عبد الرحمن الداخل، ونصر نصراً لا كفاء له، وانهزم


(١) المقتطفات: بشطانة؛ وهذا خطأ؛ وطشانة (Tocina) قد عدها العذري (١٠٩) من أقاليم إشبيلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>