للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيان: واستكثر منهم ومن العبيد، فاتخذ أربعين ألف رجل، صار بهم غالباً على أهل الأندلس من العرب، فاستقامت مملكته وتوطدت.

وقال ابن حيان (١) : كان عبد الرحمن راجح الحلم، فاسح العلم (٢) ، ثاقب الفهم، كثير الحزم، نافذ العزم، بريئاً من العجز، سريع النهضة متصل الحركة، لايخلد إلى راحة، ولايسكن إلى دعة، ولايكل الأمور إلى غيره، ثم لا ينفرد في إبرامها برأيهن شجاعاً مقداماً، بعيد الغور شديد الحدة قليل الطمأنينة بليغاً مفهوماً شاعراً محسناً سمحاً سخياً طلق اللسان، وكان يلبس البياض ويعتم به ويؤثره، وكان قد أعطي هيبة (٣) من وليه وعدوه، وكان يحضر الجنائز، ويصلي عليها، ويصلي بالناس إذا كان حاضراً الجمع والأعياد، ويخطب على المنبر، ويعود المرضى، ويكثر مباشرة الناس والمشي بينهم، إلى أن حضر في يوم جنازة فتصدى له في منصرفه عنها رجل متظلم عامي وقاح ذو عارضة فقال له: أصلح الله الأمير، إن قاضيك ظلمني وأنا أستجيرك من الظلم، فقال له: تنصف إن صدقت، فمد الرجل يده إلى عنانه وقال: أيها الأمير أسالك بالله لما برحت من مكانك حتى تأمر قاضيك بإنصافي فإنه معك، فوجم الأمير والتفت إلى من حوله من حشمه، فرآهم قليلاً، ودعا بالقاضي وأمر بإنصافه، فلما عاد إلى قصره كلمه بعض رجاله ممن كان يكره خروجه وابتذاله فيما جرى، فقال له: إن هذا الخروج الكثير - أبقى الله تعالى الأمير - لا يجمل بالسلطان العزيز، وإن عيون العامة تخلق تجلته، ولا تؤمن بوادرهم عليه، فليس الناس كما عهدوا، فترك من يومئذ شهود الجنائز وحضور المحافل، ووكل بذلك ولده هشاماً.


(١) انظر هذا النص في " ذكر بلاد الأندلس ": ٩١.
(٢) المصدر السابق: راجح العقل راسخ العلم واسع الحلم.
(٣) المقتطفات: وكان مهابا جدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>