للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتل يوسف أدخل ابن معاوية على الصميل من خنقه، فأصبح ميتاً، فدخل على مشيخة المضرية في السجن، فوجدوه ميتاً وبين يديه كأسٌ ونقل، كأنه بغت على شرابه، فقالوا: والله إنا لنعلم يا أبا جوشن أنك ما شربتها ولكن سقيتها.

ومما ظهر من بطش الأمير عبد الرحمن بن معاوية وصرامته فتكه بإحدى دعائم دولته رئيس اليمانية أبي الصباح يحيى (١) ، وكان قد ولاه إشبيلية وفي نفسه منه ما أوجب فتكه به. ومن ذلك النوع حكايته مع العلاء بن مغيث اليحصبي إذ ثار بباجة، وكان قد وصل من إفريقية على أن يظهر الرايات السود بالأندلس، فدخل في ناس قليلين، فأرسى بناحية باجة، ودعا أهلها ومن حولهم فاستجاب له خلق كثير، إلى أن لقيه عبد الرحمن بجهة إشبيلية فهزمه، وجيء به وبأعلام أصحابه، فقطع يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه وأعناقهم، وأمر فقرطت الصكاك في آذانهم بأسمائهم، وأودعت جوالقاً محصناً، ومعها اللواء الأسود، وأنفذ بالجوالق تاجراً من ثقاته، وأمره أن يضعه بمكة أيام الموسم، ففعل، ووافق أبا جعفر المنصور قد حج، فوضعه على باب سرادقه، فلما كشفه ونظر إليه سقط في يده، واستدعى عبد الرحمن وقال: عرضنا هذا البائس - يعني العلاء - للحتف، ما في هذا الشيطان مطمع، فالحمد لله الذي صير هذا البحر بيننا وبينه.

ولما أوقع عبد الرحمن باليمانة الذين خرجوا في طلب ثأر رئيسهم أبي الصباح اليحصبي وأكثر القتل فيهم، استوحش من العرب قاطبة، وعلم أنهم علي دغل وحقد، فانحرف عنهم إلى اتخاذ المماليك، فوضع يده في الابتياع، فابتاع موالي الناس بكل ناحية، واعتضد أيضاً بالبرابر، ووجه عنهم إلى بر العدوة فاْحسن لمن وفد عليه إحساناً رغب من خلفه في المتابعة، قال ابن


(١) ق والمقتطفات: ابن يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>