للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في توريثه الملك بعده في سن الصبا دون مشيخة الإخوة وفتيان العشيرة، ومن كان ينهض بالأمر ويستقل بالملك، قال ابن بسام: وكان يقال " لا يزال ملك بني أمية بالأندلس في إقبال ودوام ما توارثه الأبناء عن الأباء، فإذا انتقل إلى الإخوة وتوارثوه فيما بينهم أدبر وانصرم "، ولعل الحكم لحظ ذلك، فلما مات الحكم أخفى جؤذر وفائق فتياه ذلك، وعزما على صرف البيعة إلى أخيه المغيرة، وكان فائق قد قال له: إن هذا لا يتم لنا إلا بقتل جعفر المصحفي، فقال له جؤذر: ونستفتح أمرنا بسفك دم شيخ مولانا (١) ، فقال له: هو والله ما أقول لك، ثم بعثا إلى المصحفي ونعيا إليه الحكم، وعرفاه رأيهما في المغيرة، فقال لهما المصحفي: وهل أنا إلا تبع لكما، وأنتما صاحبا القصر، ومدبرا الأمر، فشرعا في تدبير ما عزما عليه، وخرج المصحفي وجمع أجناده وقواده ونعى إليهم الحكم، وعرفهم مقصود جؤذر وفائق في المغيرة، وقال إن بقينا على ابن مولانا كانت الدولة لنا، وإن بدلنا استبدل بنا، فقالوا: الرأي رأيك، فبادر المصحفي بإنفاذ محمد بن أبي عامر مع طائفة من الجند إلى دار المغيرة لقتله، فوافاه ولا خبر عنده، فنعى إليه الحكم أخاه، فجزع، وعرفه جلوس ابنه هشام في الخلاقة، فقال: أنا سامع مطيع، فكتب إلى المصحفي بحاله، وما هو عليه من الاستجابة، فأجابه المصحفي بالقبض عليه، وإلا وجه غيره ليقتله، فقتله خنقاً. فلما قتل المغيرة واستوثق الأمر لهشام بن الحكم افتتح المصحفي أمره بالتواضع والسياسة واطراح الكبر ومساواة الوزراء في الفرش، وكان ذلك من أول ما استحسن منه، وتوفر على الاستئثار بالأعمال والاحتجان للأموال، وعارضه محمد بن أبي عامر - فتىً ماجدٌ أخذ معه بطرفي نقيض بالبخل جوداً وبالاستبداد أثرةً، وتملك قلوب الرجال إلى أن تحركت همته للمشاركة في التدبير بحق الوزارة، وقوي على أمره بنظره في الوكالة، وخدمته


(١) الذخيرة: دم شيخ دولة مولانا.

<<  <  ج: ص:  >  >>