للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للسيدة صبح أم هشام، وكانت حاله عند جميع الحرم أفضل الأحوال بتصديه لمواقع الإرادة، ومبالغته في تأدية لطيف الخدمة، فأخرجن له أمر هشام الخليفة إلى الحاجب جعفر المصحفي بأن لا ينفرد عنه برأي، وكان غير متخيل منه سكوناً إلى ثقته، فامتثل الأمر وأطلعه على سره، وبالغ في بره، وبالغ محمد ابن أبي عامر في مخادعته والنصح له، فوصل المصحفي يده بيده، واستراح إلى كفايته، وابن أبي عامر يمكر به، ويضرب عليه، ويغري به الحسدة (١) ، ويناقضه في أكثر ما يعامل به الناس، ويقضي حوائجهم، ولم يزل على ما هذه سبيله إلى أن انحل أمر المصحفي، وهوى نجمه، وتفرد محمد بن أبي عامر بالأمر، ومنع أصحاب الحكم وأجلاهم وأهلكهم وشردهم وشتتهم وصادرهم، وأقام من صنائعهم من استغنى به عنهم، وصادر الصقالبة وأهلكهم وأبادهم في أسرع مدة.

قال ابن حيان (٢) : وجاشت النصرانية بموت الحكم، وخرجوا على أهل الثغور فوصلوا إلى باب قرطبة (٣) ، ولم يجدوا عند جعفر المصحفي غناء ولا نصرة، وكان مما أتى عليه (٤) أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم، لما تخيله من أن في ذلك النجاة من العدو، ولم تتسع (٥) حيلته لأكثر منه، مع وفور الجيوش وجموم الأموال، وكان ذلك من سقطات جعفر، فأنف محمد بن أبي عامر من هذه الدنية، وأشار على جعفر بتجريد (٦) الجيش بالجهاد، وخوفه سوء العاقبة في تركه، وأجمع الوزراء على ذلك، إلا من شذ منهم، واختار ابن أبي عامر


(١) في أصول النفح ودوزي: الحرة، وقد تنصرف إلى صبح - وهو مستبعد - وفي الذخيرة: " وابن أبي عامر يمكر به ويضرب بين حسدته ".
(٢) النقل مستمر عن الذخيرة ٤ / ١: ٤٤.
(٣) الذخيرة: فجاء صراخهم إلى باب قرطبة.
(٤) الذخيرة: وكان مما غرب به لجبنه وعظيم أفنه ...
(٥) في ق ودوزي: ولم تقع، والتصويب عن الذخيرة.
(٦) في ق: بتبديد؛ والتصويب عن الذخيرة؛ وفي ابن عذاري: بتجهيز.

<<  <  ج: ص:  >  >>