للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجال، وتجهز للغزاة، واستصحب مائة ألف دينار، ونفذ بالجيش، ودخل على الثغر الجوفي [إلى جليقية] ونازل حصن الحامة، ودخل الربض، وغنم وقفل فوصل الحضرة بالسبي بعد اثنين وخمسين يوماً، فعظم السرور به، وخلصت قلوب الأجناد له، واستهلكوا في طاعته لما رأوه من كرمه.

ومن أخبار كرمه (١) ما حكاه محمد بن أفلح غلام الحكم قال: دفعت إلى ما لا أطيقه من نفقة في عرس ابنة لي، ولم يبق معي سوى لجام محلى، ولما ضاقت بي الأسباب قصدته بدار الضرب حين كان صاحبها، والدراهم بين يديه موضوعة مطبوعة، فأعلمته ما جئت له، فابتهج بما سمعه مني، وأعطاني من تلك الدراهم وزن اللجام بحديده وسيوره، فملأ حجري، وكنت غير مصدق بما جرى لعظمه، وعملت العرس، وفضلت لي فضلة كثيرة، وأحبه قلبي حتى لو حملني على خلع طاعة مولاي الحكم لفعلت، وكان ذلك في أيام الحكم قبل أن يقتعد (٢) ابن أبي عامر الذروة.

وقال غير واحد: إنه صنع يومئذ قصراً من فضة لصبح أم هشام، وحمله على رؤوس الرجال فجلب حبها بذلك، وقامت بأمره عند سيدها الحكم، وحدث الحكم خواصه بذلك، وقال: إن هذا الفتى قد خلب عقول حرمنا بما يتحفهن به، قالوا: وكان الحكم لشدة نظره في عالم الحدثان يتخيل في ابن أبي عامر أنه المذكور في الحدثان، ويقول لأصحابه: أما تنظرون إلى صفرة كفيه ويقول في بعض الأحيان: لو كانت به شجة لقلت إنه هو بلا شك، فقضى الله أن تلك الشجة حصلت للمنصور يوم ضربه غالب بعد موت الحكم بمدة.

قال ابن حيان (٣) : وكان بين المصحفي وغالب صاحب مدينة سالم وشيخ الموالي وفارس الأندلس عداوة عظيمة، ومباينة شديدة، ومقاطعة مستحكمة،


(١) عن الذخيرة: ٤٥.
(٢) ق: يعتقد.
(٣) عن الذخيرة: ٤٦ مع اختلاف في الرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>