للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله ما أروم بذلك أ، أصالحه، فإن عداوته من حسد، وأنا أسأل الله تعالى أن يديمها لأنها مقترنة بدوام نعم الله علي.

وإن تعرضت إلى ذكر البلاد، وتفسير محاسنها، وما خصها الله تعالى به مما حرمها غيرها، فاسمع ما يميت الحسود كمداً:

أما إشبيلية فمن محاسنها اعتدال الهواء، وحسن المباني، وتزيين الخارج والداخل، وتمكن التمصر، حتى إن العامة تقول: لو طلب لبن الطير في إشبيلية وجد، ونهرهاالأعظم الذي يصعد المد فيه اثنين وسبعين ميلاً ثم يحسر، وفيه يقول ابن سفر:

شقّ النسيم عليه جيب قميصه ... فانساب من شطّيه يطلب ثاره

فتضاحكت ورق الحمام بدوحها ... هزءاً فضمّ من الحياء إزاره وزيادته على الأنهار كون ضفتيه مطرزتين (١) بالمنازه والبساتين والكروم والأنشام (٢) متصل ذلك اتصالاً لا يوجد على غيره.

وأخبرني شخص من الأكياس دخل مصر وقد سألته عن نيلها أنه (٣) لا تتصل بشطيه البساتين والمنازه اتصالها بنهر إشبيلية، وكذلك أخبرني شخص آخر دخل بغداد، وقد سعد هذا الوادي بكونه لا يخلو من مسرةٍ، وأن جميع أدوات الطرب وشرب الخمر فيه غير منكر لا ناهٍ عن ذلك ولا منتقد، ما لم يؤد السكر إلى شر وعربدة، وقد رام من وليها من الولاة المظهرين للدين قطع ذلك، فلم يستطيعوا إزالته، وأهله أخف الناس أرواحاً، وأطبعهم نوادر، وأحملهم لمزاح بأقبح ما يكون من السب، قد مرنوا على ذلك، فصار لهم ديدناً حتى صار عندهم من لا يبتذل فيه ولا يتلاعن ممقوتاً ثقيلاً. وقد سمعت عن شرف إشبيلية الذي ذكره أحد الوشاحين في موشحة مدح بها المعتضد ابن عباد:


(١) في الأصول: مطرزة.
(٢) الأنشام: نوع من الشجر.
(٣) م: فذكر أنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>