للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين يديه غلام حسن المحاسن، جميل الزي، لين الأخلاق، فقال الأمير: يا ابن عاصم ما يصلح في يومنا هذا، فقال: عقار تنفّر الذبان (١) ، وتؤنس الغزلان، وحديث كقطع الروض قد سقطت فيه مؤونة التحفظ، وأرخي له عنان التبسط، يديرها هذا الأغيد المليح، فاستضحك الأمير، ثم أمر بمراتب الغناء، وآلات الصهباء، فلما دارت الكأس، واستمطر الأمير نوادره (٢) ، أشار إلى الغلام أن يلح في سقيه، ويؤكد عليه، فلما أكثر رفع رأسه إليه وقال على البديهة:

يا حسن الوجه لا تكن صلفاً ... ما لحسان الوجوه والصّلف

تحسن أن تحسن القبيح ولا ... ترثي لصبٍّ متيّمٍ دنف فاستبدع الأمير بديهيته، وأمر له ببدرة، ويقال: إنه خيره بينها وبين الوصيف، فاختارها نفيا للظنة عنه (٣) ، انتهى.

[استطراد حول ابن ظافر]

قلت أذكرتني هذه الحكاية ما حكاه علي ابن ظافر عن نفسه إذ قال (٤) : كنت عند المولى الملك الأشرف ابن العادل ابن أيوب سنة ٦٠٣ بالرها، وقد وردت إليه في رسالة، فجعلني بين سمعه وبصره، وأنزلني في بعض دوره بالقلعة بحيث يقرب عليه حضوري في وقت طلبتي أو إرادة الحديث معي، فلم أشعر في بعض الليالي وأنا نائم في فراشي إلا به، وهو قائم على رأسي، والسكر قد غلب عليه، والشمع تزهر حواليه (٥) ، وقد حف مماليكه به، وكأنهم الأقمار الزواهر، في


(١) في أصول النفح: تنفد الدنان.
(٢) ب: نواره.
(٣) ويقال ... عنه: سقطت هذه العبارة من ب.
(٤) بدائع البدائه ٢: ٦١.
(٥) البدائع: والشموع تزهر بين يديه.

<<  <  ج: ص:  >  >>