للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عثمان المصحفي قال، دخلت يوماً على أبي عامر ابن شهيد، وقد ابتدأت علته التي مات بها، فأنس بي، وجرى الحديث إلى أن شكوت له تجني بعض أصحابي (١) علي، ونفاره عني، فقال لي: سأسعى في إصلاح ذات البين، فخرجت عنه، واتفق لقائي لذلك المتجني علي مع بعض أصحابي وأعزهم علي، فلما رآني ذلك الصديق مولياً عنه أنكر عليه، وسأله عن السبب الموجب، فأخبره، وزاد في مشيهما حتى لحقا بي، وعزم علي في مكالمة صاحبي، وتعاتبنا عتاباً أرق من الهواء، وأشهى من الماء على الظماء، حتى جئنا دار أبي عامر، فلما رآنا جميعاً ضحك وقال: من كان الذي تولى إصلاح ما كنا سررنا بفساده قلنا: قد كان ما كان، فاطرق قليلاً تم أنشد:

من لا أسمّي ولا أبوح به ... أصلح بيني وبين من أهوى

أرسلت من كابد الهوى فدرى ... كيف يداوى مواقع البلوى

ولي حقوقٌ في الحبّ ثابتةٌ ... لكنّ إلفي يعدّها دعوى وقد ذكرنا في هذا الكتاب من غرائب أبي عامر ابن شهيد في مواضع متفرقة الغرائب، وقدمنا في الباب الرابع حكايته مع المرأة الداخلة في رمضان لجامع قرطبة وحكينا [ها] هناك بلفظ " المطمح " فلتراجع.

وعبر ابن ظافر عن معناها بقوله (٢) : إن أبا عامر كان مع جماعة من أصحابه بجامع قرطبة في ليلة السابع والعشرين من رمضان (٣) ،فمرت امرأة به من بنات أجلاء قرطبة، قد كملت حسناً وظرفاً ومعها طفل يتبعها كالظبية تستتبع خشفاً، وقد حفت بها الجواري، كالبدر حف بالدراري، فحين رأت تلك الجماعة، المعروفة بالخلاعة، وقد رمقوا ذلك الظبي بعيون أسودٍ رأت فريسة،


(١) البدائع: إخواني.
(٢) بدائع البدائه ٢: ١٠٧.
(٣) من رمضان: سقطت من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>