للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان المنصور قد عزم ذلك اليوم على الانفراد بالحرم، فأمر بإحضار من جرى رسمه من الوزراء والندماء، وأحضر ابن شهيد في محفة لنقرس كان يعتاده، وأخذوا في شأنهم، فمر لهم يوم لم يشهدوا مثله، ووقت لم يعهدوا نظيره، وطما الطرب وسما بهم، حتى تهايج القوم ورقصوا، وجعلوا يرقصون بالنوبة، حتى انتهى الدور إلى ابن شهيد، فأقامه الوزير أبو عبد الله ابن عباس، فجعل يرقص وهو متوكئ عليه، ويرتجل ويومئ إلى المنصور، وقد غلب عليه السكر (١) :

هاك شيخاً قاده عذرٌ لكا ... قام في رقصته مستهلكا

لم يطق يرقصها مستثبتاً ... فانثنى يرقصها مستمسكا

عاقه عن هزّها منفرداً ... نقرسٌ أخنى عليه فاتّكا

من وزيرٍ فيهم رقّاصةٍ ... قام للسكر يناغي ملكا

أنا لو كنت كما تعرفني ... قمت إجلالاً على رأسي لكا

قهقه الإبريق مني ضاحكاً ... ورأى رعشة رجلي فبكى قال ابن ظافر: وهذه قطعة مطبوعة، وطرفها الأخير واسطتها، وكان حاضرهم ذلك اليوم رجلٌ بغدادي يعرف بالفكيك، حسن النادر سريعها، وكان ابن شهيد استحضره إلى المنصور فاستطبعه، فلما رأى ابن شهيد يرقص قائماً مع ألم المرض الذي كان يمنعه من الحركة قال: لله درك يا وزير! ترقص بالقائمة، وتصلي بالقاعدة، فضحك المنصور، وأمر لابن شهيد بمال جزيل، ولسائر الجماعة، وللبغدادي.

٣٦ - وقال ابن بسام (٢) : حدث أبو بكر محمد بن أحمد بن جعفر بن


(١) الذخيرة ٤ / ١: ١٧؛ وزاد في م: وقال ارتجالا.
(٢) بدائع البدائه ٢: ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>