للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان لحريز كاتب يقال له عبد الحميد بن لاطون فيه تغفل شديد، فأمره ان يكتب إلى المأمون بن ذي النون في شان حصنٍ دخله النصارى، فكتب: وقد بلغني أن الحصن الفلاني دخله النصارى إن شاء الله تعالى، فهذه الواقعة التي ذكرها الله تعالى في القرآن، بل هي الحادثة الشاهدة بأشراط الزمان، فإنا لله على هذه المصيبة التي هدت قواعد المسلمين، وأبقت في قلوبهم حسرة إلى يوم الدين. فلما وصل الكتاب للمأمون ضحك حتى وقع للأرض، وكتب لابن عكاشة جوابه، وفيه: وقد عهدناك منتقياً لأمورك، نقاداً لصغيرك وكبيرك، فكيف جاز عليك أمر هذا الكتاب الأبله الجلف، وأسندت إليه الكتب عنك دون أن تطلع عليه، وقد علمت أن عنوان الرجل كتابه، ورائد عقله خطابه، وما أدري من أي شيء يتعجب منه، هل من تعليقه إن شاء الله تعالى بالماضي أم من حسن تفسيره للقرآن ووضعه مواضعه أم من تورعه عن تأويله إلا بتوقيف من سماع عن إمام أم من تهويله لما طرأ على من يخاطبه أم من علمه بشأن هذا الحصن الذي لو أنه في القسطنطينية العظمى ما زاد عن عظمه وهو له شيئاً ولو أن حقيراً يخفى عن علم الله تعالى لخفي عنه هذا الحصن، ناهيك من صخرة حيث لا ماء ولا مرعى، منقطع عن بلاد الإسلام، خارج عن سلك النظام، لا يعبره إلا لص فاجر، أو قاطع طريق غير متظاهر، حراسه لا يتجاوزون الخمسين، ولا يرون خبز البر عندهم إلا في بعض السنين، باعه أحدهم بعشرين ديناراً، ولعمري إنه لم يغبن في بيعه ولا ربح أرباب ابتياعه، وأراح من الشين بنسبته والنظر في خداعه، فليت شعري ما الذي عظمه في عين هذا الجاهل، حتى خطب في أمره بما لم يخطب به في حرب وائل.

فلما وقف حريز على الكتاب كتب لابن ذي النون جواباً منه: وإن المذكور ممن له حرمة قديمة، تغنيه عن أن يمت بسواها، وخدمة محمود أولاها وأخراها، ولسنا ممن اتسعت مملكته، وعظمت حضرته، فنحتاج إلى انتقاء الكتاب، والتحفظ في الخطاب، وإنما نحن أحلاس ثغور، وكتاب كتائب

<<  <  ج: ص:  >  >>