للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما انتهيت إلى هذا البيت قال: أما ما أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه، ولكن خذ ما ارتضى لك الزمان، وأمر خادماً له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن، فإني انصرفت به المرية، وكان يعجبني سكناها والتجارة بها، لكونها ميناء لمراكب التجار من مسلم وكافر، فتجرت فيها فكان إبقاء ماء وجهي على يديه، رحمة الله تعالى عليه. ثم أخذ البطاقة وجعل يجيل النظر والفكر في القصيدة، وانا مترقب لنقده، لكونه في هذا الشأن من أئمته، وكثيراً ما كان الشعراء يتحامونه لذلك إلا من عرف من نفسه التبريز، ووثق بها، إلى أن انتهى إلى قولي:

لا سقاهم على ما كان من عطش ... إلا ببعض ندى كف ابن عبّاد فقال: لأي شيء بخلت عليهم أن يسقوا بكفه فقلت: إذن كان يلحقني من النقد ما لحق ذا الرمة في قوله:

ولا زال منهلاًّ بجرعائك القطر (١) ... وكان طوفان نوح أهون عليهم من ذلك، فتألقت غرته، وبدت مسرته، وقال: إنا لله على أن لم يعنا الزمان على مكافأة مثلك. قال: وكنت ممن زاره بسجنه بأغمات، وحملتني شدة الحمية له والامتعاض لما حل به أن كتبت على حائط سجنه متمثلاً:

فإن تسجنوا القسريّ لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل ثم تفقدت الكتابة بعد أيام، فوجدت تحت البيت: لذلك سجناه (٢) :


(١) صدر البيت:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ... (٢) البيت التالي للمتنبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>